حيدر يازجي ومعادلة الإبداع والوطنية
عرفته خلال ربع قرن من عمله النقابي والإبداعي بعدما اكتنز علماً وفناً، وعبقرية، وأنهى الدراسات العليا التي أهلته ليكون نجماً في العطاء، والخلق، والإبداع ومحبة الناس والتماهي في العروبة والإنسانية.
الرفيق حيدر يازجي الفنان والنقابي، والذواقة صورة للتميّز في شفافية القول والعمل، وخفّة الظل، والتواصل مع الآخر.
في أحلك الظروف الذاتية والموضوعية كانت الابتسامة رسوله إلى الناس عبر ريشة الفنان الذي يعيش الفن المحلّق بإبداع، وخلال التعاطي مع الزملاء والرفاق على تعدّد مذاهبهم ومشاربهم الفكرية والثقافية والسياسية والفنية..
اكتوى بجمر النزوح من أنطاكيا، الجنة السورية على الأرض -الموعودة- وخرسته أنياب الفقر والجوع والحرمان فما كفر لحظة بوطنٍ هو غاية في الجمال والكرم والقدرة على النهوض من كبواته..
كما ابتسمت له الدنيا بملء شفاهها، فما اغترّ ولا تباهى بل كان يتذكر على الدوام، المقولة الحكيمة (اخشوشنوا فإن النعم لا تدوم). كان المرحوم محبّاً للحوار مع الخصوم والحاسدين قبل الأصدقاء والمحبين، لهذا فقد استقطب قلوب زملائه ورفاقه ومعارفه في الأسرة الوطنية والقومية حتى كاد يحوز على -جائزة نوبل- في الدماثة والرقة واللطف ومحبة الناس التي لا معادل لها، فهل سمعتم برجل بلا أعداء؟، إنه حيدر يازجي الذي كان قادراً (كما قال غاندي) على تحويل أعدائه إلى أصدقاء وتلكم معجزة الكرماء.
إنني أستذكر في ثمانينات القرن القرن الماضي يوم أُنجز صرحُ الشهيد في قاسيون، وخلال زيارة الزعيم الخالد حافظ الأسد له لأول مرة، قُدم الفنانون الذين أسهموا في إبداع اللوحات التي تتلألأ على جدران صالات الاستقبال في الصرح، حيث كان المرحوم حيدر قائد كوكبة الفنانين السوريين الذين رصعت ريشتهم المتألقة تلك اللوحات التي تخلّد بطولات جيشنا في حرب تشرين التحريرية وجميع معارك الشرف في تاريخ الوطن.
اليوم نفتقد الفنان التشكيلي المتميّز، والإنسان العربي الكبير بقلبه وعقله وإحساسه ووجدانه، نفتقد حيدر والوطن يحاول تجفيف دموعه المدرارة، وتضميد جروحه الفيّاضة، ويواصل جيشه الباسل معاركه ضد الارهابيين وبائعي العروبة وتاريخها للعدو الصهيوني وحماته في أوروبا وأمريكا وبلاد الغاز والكاز، فنترحم على قوافل شهدائنا الأبرار وتُزجى التحايا لأرواحهم الطاهرة وهم يتصاعدون إلى ( فوق الفوق) وهتافهم أبداً (نموت فدى ترابك يابلادي خذي منا الحياة وخلدينا)
وإلى أسرة المرحوم الرفيق حيدر الكريمة نقول: صحيح أن حيدر صعد إلى الرفيق الأعلى دون أن يخلّف لكم عقاراً مسمّى، أو حساباً يُعدّد، غير أنه خلَّف لكم الميراث الذي لا يفنى وهو خلود الذكر، والصورة المشّعة لرجل مضى طاهر الثوب والقلب والجيب، عامر الوجدان بالعروبة والقيم العظيمة للأمة العربية، وهو فخركم الأعظم والأضخم يوم يتفاخر الآخرون بميراث أهلهم!!.
لن نقول الوداع أيها الرفيق الغالي حيدر.. فالمبدعون والوطنيون لايودّعون عند رحيلهم بالدمع والآهات، بل يُستقبلون على الدوام، بالود والورد والحب، شأن الشهداء والقديسين، لأنهم أبد الدهر خالدون، وفي ضمائر الأجيال يستوطنون.
د. صابر فلحوط