ثقافة

“القربان” معادل درامي للخطاب الإعلامي!!

في مشهد استهلالي يعود لعام 2010 نرى من خلال لقطة عامة مشهد لأبراج سكنية حديثة مع لقطة مقربة (كلوز) لسالم القابض رجل الأعمال المتنفذ وصاحب اليد الطولى في البلد،  يتبعها لقطة موازية لمشهد حي عشوائي حيث يتجمع بعض الناس ويتزاحمون على صهريج مازوت للحصول على الوقود مع شجار مع البائع بخصوص السعر (30) ل .س ثم مشهد ضرب..لننتقل فيما بعد لمشهد حرق السرفيس العائد لرشيد..
هنا نحن أما عدة خطوط درامية في مسلسل القربان الذي انتهى عرضه من أيام على قناة دراما: خط الفساد المتمثل برجل الأعمال سالم (رشيد عساف) وخط سكان العشوائيات يتجسد في شخصيات الحي رشيد وأخته ويزن وزوجته والأستاذ عمر المعتقل السابق وبياع البسطة نضال وصاحب الدكان..وخط يتعلق بالعنف على خلفية الفقر وغياب القانون..وهناك خطوط أخرى كخط هيثم الرجل المسيحي العنيف مع زوجته وأبنائه بسبب طفولته حيث تعرض لعنف كبير من والده، إضافة لخط آخر يمثله المهندس الشاب المجتهد والنزيه (شادي مقرش) الذي يتعرض لحصار سالم القابض فيهاجر..كما يتعرض العمل للقضايا الطائفية ودورها في تفكك المجتمع من خلال قصة حب صافي وأمل ووقوف رشيد الأخ ضد هذا الحب لأنهما من بيئة مختلفة باستخدام أسلوب التورية للهروب من تسمية الطوائف فلهجة أمل وأخيها تدل على أنهما من الساحل بينما صافي من المدينة.
يحاول هنا الكاتب رامي كوسا (في أول عمل له) والمخرج علاء الدين كوكش البحث عن جذور الأحداث الراهنة بالعودة إلى الأسباب قبل بداية الأزمة الوطنية في البلد مركزين بشكل أساسي على الفساد كسبب للخراب والأحداث، فسالم القابض (الشر المطلق) هو من يأمر باعتقال الناس وهو من يخرجهم من السجن وهو من يحاصر الشرفاء ومن يستولي على المشاريع..وما يحدث في المجتمع من فقر وعنف وخراب ماهو إلا نتاج للسياسات التي يرسمها أمثال القابض والموصلة لتدمير المنظومة الأخلاقية للمجتمع، فهو يقرب بعض الفقراء ليكونوا جلاديه وقوته الضاربة وحجابه الأخلاقي الذي يخفي وراءه كل شروره ومصالحه، وحتى النشاط السياسي المعارض يقف في وجهه بقوة القابض والمحسوبين عليه من الأجهزة المتنفذة، فعمر زيدان الذي سجن لعشر سنوات ظلما بسبب أرائه يقف وراء اعتقاله رجل الأعمال الفاسد هذا.
العمل في سياقه الدرامي والفكري يتماهى مع الخطاب السائد بأن هناك بعض الأخطاء الفردية التي تعامينا عنها شعبيا ورسميا، فقادتنا إلى الوضع المتأزم وهؤلاء المرتكبين للأخطاء لا يمثلون إلا أنفسهم وليس المؤسسات التي أنتجتهم وحمتهم من أي حساب، وبذلك تتم تبرئة النمط المؤسساتي والسياسي والاقتصادي السائد والمولد لمافيات الخراب، إذا هناك نشازات في الهارموني الوطني يجب التخلص منها فينتهي هذا الدمار؟!!
الملفت في المسلسل أن القابض يهرب من البلد بسهولة حين تنكشف كل أوراقه كما حدث لبعض المسؤولين سابقا، ثم في مشهد ساذج ومضحك يظهر على إحدى الشاشات (المغرضة) كرجل معارض يتحدث عن النزاهة والفساد والقمع مع لقطة أخرى تظهر الناس وهم يبصقون عليه ..كإشارة إلى أن كل مخالف في الرأي هو بالضرورة فاسد!
من ناحية ثانية يركز العمل في خط يزن وزوجته على البعد الأخلاقي فيزن يعاني الندم وتبكيت الضمير لخيانته زوجته حيث نرى يزن جالس يقرأ القرآن كفعل تكفير عن الذنوب التي اقترفها بحق زوجته، فبالعودة إلى الدين يكون خلاصنا من الآثام؟!
ويستعير المخرج الأسلوب الكلاسيكي في السينما العالمية في خلق التعاطف مع البطل لتبرير انتقامه فيما بعد بطريقة وحشية فرشيد (سامر إسماعيل) الذي أنقذه سالم من الفقر والتشرد يصبح رجلا متنفذا قاسيا ويبدأ سلسلة انتقامات دفاعا عن صديقة أخته وعن نضال ابن حارته فيرتكب جرائم من نفس الفعل الذي قاده للانتقام فيختلط الجلاد والضحية في شخص رشيد..لكن لا احد يحاسبه ويعود إلى حي المخالفات ليتطهر من ذنوبه ويعود رشيد طيب القلب ابن الحارة الشهم؟! وكأن الفقر أفضل من الرفاه والمخالفات أفضل من السكن الصحي المناسب للإنسان وحياته؟! فالأخلاق والطيبة مرتبطة بالفقر والمخالفات (أي فكرة سطحية ساذجة تلك)، في حين يخرج المساجين أصحاب الرأي بعد هروب سجانهم القابض ويبتسم رجل الأمن ابتسامة رضا وهو يرى العناق الحار بين السجين ورفاقه.
التخلص من القابض يقوده جنرال يمثل المؤسسة العسكرية بالتعاون مع الصحفي الذي نشر فضائح القابض في صحيفة لبنانية (!!) لإعطاء الملف المصداقية، فالجنرال يخاطب القابض (المؤسسة العسكرية خط أحمر واوعاك تقرب عليها) بعد وصول ملف الأغذية الفاسدة للجيش التي ورّدها القابض- من قبل عضو في مجلس الشعب صديق القابض الذي انقلب عليه – وموت العديد من الجنود بسببها ..ولا ندري لماذا لم يحول ملف الفساد للقضاء لتكريس الصيغة المدنية القانونية للقانون، حيث اتخذ الملف صفة صراع شخصي بين الجنرال ورجل الأعمال؟!
وفي مشهد تحذيري يختتم المخرج مسلسله في لقطة العرس حيث نرى مسدسا يطلق طلقة متفجرة باتجاه مدخل الكنيسة حيث عرس الصحفي على (أمل عرفة) مع مدعوين من كل الفئات كدلالة على أن وحدتنا الوطنية والمجتمعية مهددة بالإرهاب والقتل.
أحمد خليل