محليات

بين قوسين صرخة قلم!

رغم تسجيل عملنا الصحفي في خانة السلطة الرابعة إلا أن هناك الكثير من المواقف والدلائل الموجودة على أرض الواقع والممارسة الفعلية التي تثبت أن الكثير من الجهات تتعامل مع مهنة المتاعب على أنها الوليد غير الشرعي للأنظمة والقوانين، فالصلاحيات الممنوحة لها محاصرة بالكثير من الخطوط الحمراء التي قد يساهم الصحفي في رسم بعضها ولجم قلمه حفاظاً على لقمة عيشه وعلى مستقبله المهني الذي يتحوّل في كل مواجهة يقرّر خوض غمارها مع خلل هنا وفساد هناك، إلى دريئة جاهزة لتلقي عشرات الاتهامات والإساءات الطاعنة بصدقيّته وبأخلاقه المهنية، بل هناك من يتخطى هذه المرحلة ليدخل مرحلة التهديد والوعيد بالقتل والسجن و”البهدلة والمرمطة” بين الجهات المعنية لتلقينه الدرس المطلوب في التعامل والتعاطي مع شجرة المسؤولية بتفرّعاتها المعقدة التي من الصعب “فكفكة” تشعّباتها المتداخلة بين مسؤوليات بعض أصحاب القرار المصابين بلعنة الكرسي ونرجسية السلطة وبين نفوذ بعض رجال الأعمال بكل ما فيهم من شراسة وعنجهية ممالك ثرواتهم، وطبعاً بحضور هذه الشراكة تدقّ الأسافين  في مضمون الوثائق والبراهين وتعلّق الحقيقة على مشنقة المصالح الشخصية وتُفقأ العين الرقابية بمخرز القانون.
ومع تشديد الخناق على الصحفي تقلّ الخيارات وتنعدم فرص النجاة أمامه، فإما الانجراف مع سيل المغريات وركوب موجة الفساد والترجّل من على صهوة الحقيقة إلى ساحة التملّق والمديح وبيع الذمم في مزاد المنفعة الذاتية وبذلك تكتم المصداقية ويسجّل الضمير في خانة الغائب ويتحوّل صهيل الأقلام إلى نباح باحث عن الرضا ولقيمات المال الحرام، وإما التمسك بالمبادئ والقيم والمغامرة بكل شيء في سبيل الحق والحقيقة والرهان على سلطة الضمير، وهنا يكون كالقابض على الجمر والسائر في ساحة المصائد والمكائد التي تنصب له في كل مكان وعلى مدار اللحظة دون أية حصانة أو حماية، حيث يستطيع كل من تناله شظية الحقيقة والاتهام جرّ سلطته الرقابية إلى مذبح القدح والذم ليساهم القانون في تعذيب مسؤولياته وإتاحة الفرصة للتنكيل بواجبه الوطني من على منصّة العدالة.
وما يدعو للأسف أن تتحوّل يوميات الصحفي إلى مسرحيات هزلية مخرجوها من الفاسدين الذين يستطيعون الإفلات من المساءلة والمحاسبة، أما جمهورها فهو خليط من المسؤولين في وزارة الإعلام واتحاد الصحفيين والمجلس الوطني للإعلام الذين لم يستطيعوا إلى الآن إخراج مثل هذه القضايا من هذا الفخ الممنهج، وطبعاً نحن لا نطالب بمنحنا البراءات المجانية ووضع كل القضايا في سلّة الظلم والتظلم، بل كل ما نريده أن يكون هناك توجّه وتعاون مع وزارة العدل للبت السريع في تلك القضايا الناضحة بالتجنّي وغياب الموضوعية في الاتهام والعمل على محاسبة كل من يقف وراءها من المسؤولين مهما كانت درجات مسؤولياتهم ومهامهم.
وبالمحصّلة قد تباغت أقلامنا بين الفينة والأخرى بهجوم أصحاب الذمم المفقودة، ولكنها تبقى بمصداقيتها وكلمات حقائقها ثابتة في خندق المواجهة الذي يصطفّ فيه الكثير من فرسان الكلمة الذين يرفضون التخلي عن مهنيّتهم ونزاهتهم مهما اشتدت الصعاب والضغوط، فهل هناك من يسمع ويبادر أم….؟.
بشير فرزان