باتت تفرض نفسها كأحد أهم مكونات المشهد العقاري.. لكن التريث هو عنوان المرحلة عقد العمارة الخضراء لا يزال مشروعاً حتى إشعار آخر.. و90% من أبنية دمشق لا تنطبق عليها المعايير
مضى حوالى أكثر من سنتين على مسودة العقد الخاص باعتماد معايير العمارة الخضراء والمزمع توقيعه مابين الشركة العامة للدراسات والاستشارات الفنية ووزارة الإسكان والتنمية العمرانية. ويؤكد مدير عام الشركة الدكتور أشرف حبوس في تصريح خاص لـ”البعث” أن هذا العقد قد استكمل كل الملاحظات والمناقشات، بحيث يتواءم ما يتضمّنه من معايير مع طبيعة الأبنية الموجودة والقائمة من جهة، وإدخال معايير أخرى للأبنية الجديدة من جهة أخرى، معتبراً أن الظروف الحالية دفعت بكثير من الجهات العامة للتريث بتنفيذ العديد من العقود، مشيراً إلى أن الشركة جهزت كافة الدراسات المعنية واستكملت جميع التعديلات الخاصة بالعقد.
ويتضمّن العقد إعداد تصنيف للأبنية متوافق مع تصاميم العمارة الخضراء، ووضع خطة وطنية لإدراج الأبنية الراهنة ضمن هذا التصنيف، من خلال وضع منهجية لإمكانية تصنيف الأبنية حالياً بما يتلاءم مع الوضع في سورية.
منهجية
وفي السياق ذاته أوضحت بعض المصادر المطلعة لـ”البعث”، أنه وعلى الرغم من أن 90% من أبنية دمشق لا تنطبق عليها هذه المعايير، فمن غير المنطق عدم البدء بتطبيقها، حيث يمكن تطبيقها على الأبنية الحديثة التي لا تزال قيد الإنشاء، ولا بد من وضع منهجية حديثة تنسجم معاييرها مع الأبنية الحديثة ولو بالحدّ الأدنى للتصنيف، فليس كل الأبنية تتطلّب أن تكون معاييرها من الطراز البلاتيني الكامل 100%، والأجدى البدء بالعمل حسب المعايير ابتداءً من أقلها حتى نجد أن الأبنية مع الزمن تغيّرت تدريجياً، فالأبنية الراهنة لا تنطبق عليها المعايير لعدم وجود معايير واضحة، الأمر الذي يتطلّب القيام بدراسة وضع هذه الأبنية لمعرفة مدى إمكانية تطبيق المعايير عليها لأنها ليست بسوية واحدة، ويمكن أن نجد بعضاً منها قابلاً للتطبيق ولو بالحدّ الأدنى، فهناك أبنية قديمة جداً لا يمكن تطبيق المعايير عليها وأخرى حديثة من الممكن وضعها ضمن المعايير، وهناك أبنية أخرى إذا أردنا إخضاعها ضمن معايير العمارة الخضراء سيكون ذلك مكلفاً أكثر من ثمنه.
خارج التغطية
وأشارت المصادر إلى أن مناطق المخالفات لا تنطبق عليها هذه المعايير، وأن الموضوع لا يتعلق بالأبنية فقط بل يتعداه إلى محطات المعالجة التي هي جزء من معايير العمارة الخضراء، ويمكن ترسيخ هذا الموضوع بإلزام -على سبيل المثال- الفنادق والمشافي بتصريفها الصحي وفق شبكات معالجة تتماشى مع المعايير.
مقومات
وبيّنت المصادر أن تصنيف الأبنية يكون وفق درجات تتناسب ووضعها المكاني والمناخي، حيث يفترض أن يتوفر في الأولى عزل حراري وطاقة شمسية، والثانية يجب أن يكون فيها عزل حراري وطاقة شمسية وتهوية طبيعية، أما الثالثة وهي ما تسمّى بـ(البلاتيني) فتعتمد العزل والتهوية والطاقات البديلة والأدوات الكهربائية الصديقة للبيئة، إضافة إلى شبكات الصرف الصحي وشبكات المياه الحلوة مع إمكانية الاستفادة من تصريف المياه لأغراض خدمية أخرى، وفيما يخصّ البناء لابد من الاستفادة من الشمس والتهوية كي تكون التدفئة بأقل ما يمكن من خلال اعتماد طريقة معينة لبناء البلوك بحيث تؤمن العزل المناسب.
خصوصية
وأشارت المصادر إلى أن التصنيف يعتمد على خصوصية المكان ومدى ملاءمته لمعايير العمارة الخضراء، فما ينطبق في أوروبا، قد لا ينطبق في سورية، نظراً لاختلاف المكان والظروف المناخية والطبيعية ذات العلاقة بمصادر الطاقة البديلة، لذلك صدر مؤخراً كود للعزل الحراري في سورية يتمّ الأخذ به بعين الاعتبار أثناء التصميم، ومع هذا لا يوجد تصميم عمارة خضراء في سورية 100%، لكن الشركة تراعي إلى حدّ ما هذه المعايير.
من الآخر
لم تعد العمارة الخضراء ضرباً من ضروب الترف العلمي الذي يحلو للبعض تأطيرها ضمن هذا السياق، وإنما باتت تفرض نفسها كأحد أهم مكونات المشهد العقاري في كثير من دول العالم، لأسباب تتعلق بالدرجة الأولى بالبيئة، وأخرى لها علاقة بتأمين مصادر الطاقة وتكلفتها على المدى البعيد في ظل عالم متعطش للاستحواذ عليها، ورغم أن الأبحاث والدراسات المعنية بهذا الموضوع لاتزال تسير بخطى متثاقلة -حسب رأي بعض المراقبين، إلا أن ما أنجز منها يعد بمدن خضراء كفيلة بالحد من التلوث البيئي والانبعاثات الغازية خاصة تلك الصادرة عن الصرف الصحي، وعلى اعتبار أن رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة، فلا ضير أن تعتمد جهاتنا الحكومية المعنية بقطاع الإسكان معايير العمارة الخضراء ولو بالحدود الدنيا، ولاسيما بما تخطط لتنفيذه في خططها الخمسية، وأن تلزم بها كذلك القطاع الخاص الذي يستحوذ على الحصة الأكبر في كعكة العقار.
دمشق– حسن النابلسي