كيف التوفيق بين اثنين؟ نمو سكاني متسارع.. وتراجع في الموارد الإنتاجية الزراعية والصناعية
تراجع إنتاجنا الزراعي والصناعي كثيراً في العقدين الماضيين قياساً على ما كان عليه في مطلع التسعينيات وحتى الألفية الثانية، حيث وصلت قيمة الإنتاج الزراعي لدينا إلى أكثر من 1.5 مليار ليرة ما بعد عام 1996، أي ما يوازي نحو25 % من قيمة الإنتاج الوطني.
وكذلك وصلت- في نفس العام والمرحلة- قيمة الإنتاج في الصناعات التحويلية إلى 200 % من إجمالي قيمة الإنتاج الوطني، ما كان يعكس النجاح الذي كانت تحققه سياسة التنمية الزراعية التي طبقتها الحكومة خلال العقدين المذكورين، من خلال التوسع في أعمال استصلاح الأراضي والري ودعم أسعار البذار والأسمدة، فضلاً عن زيادة الوعي لدى المزارعين، وهذه الأخيرة مازالت موجودة حتى الآن.
نسمع جعجعة
أردناها مقارنة مع ما تشهده زراعتنا هذه الأيام رغم اختلاف الوضع والظروف وارتفاع أسعار المحروقات وأجور النقل والأسمدة، لكن حتى الآن لم تؤت السياسة الزراعية ثمارها المتبعة رغم كل ما يقدم لها من دعم واهتمام لدرجة وضعها في أولويات المرحلة القادمة.
كما أن ترجمة هذا الاهتمام والتركيز على أرض واقع المزارعين فهما غير مرئيين، إن لم نقل ما زالا خبط عشواء، فالمزارع الذي لم يقبض قيمة إنتاجه المسوق لشركة سكر سلحب منذ أربعة أشهر كيف لنا أن نقنعه بإعادة الكره ثانية، هذا مثالاً على التقصير، فضلاً عن تراجع إنتاجنا من كل المحاصيل بشكل لافت قد يكون عامل الجفاف وشحّ الأمطار أحد أهم الأسباب.
ليس وقتها
وفي الشق الثاني مازالت وزارة الزراعة منشغلة بترقيم الثروة الحيوانية لمعرفة أعدادها وحصر أماكن تواجدها على الخريطة السورية، وفي كل يوم تقدم لنا أرقاماً جديدة، وآخرها ما جاء على لسان مدير مشروع تطويرها في الوزارة الذي بيّن أن عدد الأبقار بمختلف الأنواع والأصناف هو 1.166.762 مليون رأس وعدد الأغنام 19.3 مليون رأس و2.319 مليون رأس من الماعز الشامي والجبلي، فضلاً عن 4348 رأساً لدى المؤسسة العامة للمباقر و7600 رأس من الجاموس. إذاً لماذا كل هذه المعمعة حول ترقيم الثروة الحيوانية، ولماذا كل هذه الدراسات وفذلكتها التي ستكلف الحكومة مئات الملايين، هذا إن لم يكن مشروع الترقيم مستورداً فليس وقته الآن ونحن في مرحلة شدّ الأحزمة وتقليص النفقات قدر الإمكان.
ما هو الحل؟
من المعروف أن سورية تتميز مثل العديد من دول الشرق الأوسط بالنمو السكاني المرتفع ويصل متوسطه السنوي إلى أكثر من 4 % إن لم نقل أكثر من ذلك، الأمر الذي يستوجب فيه على الحكومة توفير أكثر من 300 ألف فرصة عمل سنوياً.
والحل هو بإيجاد إدارة أفضل وأكثر كفاءة للموارد المتوفرة بما يغطي النمو السكاني من جهة وضمان الأمن الغذائي من جهة ثانية، بعيداً عن التصريحات قريباً من التنفيذ الفعلي، خصوصاً مع المتغيرات المناخية وانتشار التلوث وضيق المساحات الزراعية، ما يؤكد الرهان الكبير على العلم والبحث العلمي الزراعي ومختبراته وتقنياته وهندسته الوراثية لإنتاج أصناف أكثر مقاومة وإنتاجاً مضاعفاً ومقاوماً للأمراض، لكن الذي نراه الآن هو إبعاد الخبرات والكفاءات والإبقاء على المحسوبيات.
فلنحافظ عليها
وهنا لابد لنا من الإشارة إلى أن سورية تمتلك موارد طبيعية متنوعة ومتعددة لكن بكميات محدودة تقتضي المحافظة عليها وتجنب هدرها، كالمياه والثروة الزراعية عبر تبديدها وعدم التخطيط الجيد لها، ولا تكفي التصريحات وترقيم الثروة الحيوانية وستثبت الأيام فشلها، والأهم تأمين ما تحتاجه من الأعلاف واللقاحات البيطرية والاهتمام بالمشتغلين بها، وإعادة النظر بأنظمة الإنتاج الزراعي الصناعي والاستعجال في تطبيق المقاييس العالمية التي تشكل للسلع السورية أبواباً لدخول الأسواق العالمية، بل والمنافسة، لكن قبل هذا وذاك تأمين الاكتفاء الذاتي، وهذا ما زال متاحاً وبكثرة والحمد لله والفائض يمكن تصديره، وهذا يسهم في تعزيز اقتصادنا الوطني.
حماة– محمد فرحة