اقتصاد

نقطة ساخنة الدعم.. بين “النقدي و”العيني”

 

الدعم النقدي.. أصبح هدفاً واضحاً ومؤكداً..
بهذا التصريح الحكومي، الذي جاء على لسان وزير النفط ، يبدو أن الحديث في موضوع تحويل الدعم من عيني إلى نقدي، أضحى جدياً خاصة وأنه يُعنون تحت يافطة مزمنة الاستعصاء على الحل وهي “إيصال الدعم إلى مستحقيه الحقيقيين”.
حتى إتمام هذا الأمر، لعلنا قد نكون مصيبين إن اعتقدنا بوجود مساحة هامة من الزمن -لا نراها متوسطة الأجل– من المتوجب أن تكون تحت مجهر الخبراء قبل المسؤولين، وليس فقط تسليط الضوء عليها، ولاسيما أن هذا الموضوع تم تناوله من وجهة رأيين متضادين لا ثالث لهما.
وما يؤكد قولنا هو اعتراف مسبق ومشكور للوزير نفسه، من أن العمل خلال المدة الزمنية بين هاتين الخطوتين سيكون صعباً وقاسياً وشاقاً كلما طالت هذه المدة، بل هي بحاجة إلى جهود استثنائية من جميع الجهات المعنية للمشاركة بآلية الضبط والحدّ من الاستغلال والمتاجرة بفارق الأسعار.
كما يؤكده ما دار ويدور من مساجلات في هذا الشأن، الذي وبرأينا لن يكون التجريب فيه مطمئناً، نظراً لعدم الجزم مسبقاً بالنتائج، وتحدياً في ظل هذه الظروف التي انعكست تشويهاً بنيوياً وغير بنيوي كبيرين على مختلف العلاقات الاقتصادية وغيرها من المؤثرة والمتحكمة بها.
رأي الخبراء المعارضين للأمر، يبيّن مخاطر توجه الحكومة في تحويل الدعم العيني إلى نقدي، إذ إن النقطة الوحيدة التي يمكن التحكم بها لتحسين سعر الصرف في الموازنة العامة للدولة، وبالتالي تأمين مبلغ الدعم الذي يصل لأكثر من 500 مليار ليرة، تكمن في أن سحب الدعم يساهم في تحسن سعر الصرف، ولكن مخاطر تحويل الدعم من عيني إلى نقدي تتمثل بزيادة الكتلة النقدية، علماً أن الكتلة النقدية ارتفعت 70% وهي تراكمية بينما انخفضت الكتلة السلعية 50% تقريباً حسب هيئة تخطيط الدولة، وأن القيمة الشرائية لليرة تُحدّد بالفرق بين الكتلتين السلعية والنقدية، والتي يتحدّد عليها سعر الصرف، وبالتالي هذه العملية تزيد الهوة بين الكتلتين، ويصبح وضع الليرة أسوأ، وبذلك نكون ارتكبنا خطأ كبيراً تحت شعار الدفاع عن الليرة وتصحيح العجز.
كما يرون أنه لم يحدث أن تمّ تحويل الدعم العيني إلى نقدي ولا يوجد أي مقترحات واضحة أو تفاصيل حول الموضوع، ويلفتون الانتباه إلى أن في إيصال المبالغ النقدية عبر “بطاقات” تشابه البطاقات المصرفية مشكلة كبيرة في ظل أن البنية التحتية للمصارف السورية لا تسمح حالياً ولا حتى من خلال السنوات القادمة، بإمكانية التوسّع بخدمات الصراف الآلي إلى الحجم الذي يمكنه صرف المبالغ عن طريق الصرافات.
أما أصحاب الرأي المؤيد للتحويل فيقولون: إن تقديم الدعم بشكله النقدي أفضل من العيني الذي يحتاج لإجراءات بيروقراطية وبطاقات تموينية وغيرها، مؤيدين رأيهم بأنه لن يزيد من الكتلة النقدية، لأن المبالغ التي ستنفق عليه ستكون أقل من التي تُصرف حالياً، فمؤشر الدعم حالياً أكبر من الواقع الحقيقي، إذ إنه يصل إلى المستحقين وغير المستحقين، لذا فإن تحويل المبالغ المرصودة في الموازنة والمقدّرة بأكثر من 500 مليار ليرة من شكل عيني إلى نقدي، قد يزيد الكتلة النقدية فيما لو لم يصل الدعم للمستحقين فقط، أو في حال تدخل الفساد بآلية توزيع الدعم، كما حصل في تجربة الدعم المقدمة للمحروقات قبل عدة سنوات، مشيرين إلى أن الدعم سابقاً، كان يموّل بالعجز أي بإصدار نقدي عبر سندات غير قابلة للتداول ولاتسدّد، وبالتالي كان يتمّ تمويلها من خلال الإصدار النقدي، ما نتج عنه ارتفاع التضخم الذي كان يتحمّل الفقراء تبعاته السلبية.
مما تقدم فإن ما نأمله -كما يقول حال لسان المواطن الذي تحمّل الكثير- هو: ألاّ نُعيِّشه أحلام وحشة.. أطال الله في عمركم.
قسيم دحدل
Qassim1965@gmail.com

لأول مرة منذ بدء الأزمة.. رصد انخفاض في العجز التجاري وتدنٍ بمؤشر القدرة الشرائية؟!
تراجع سعر الصرف مع تنامي الصادرات يحسنان من ميزان المدفوعات خلال العام الجاري
بدأ تراجع سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار الأمريكي بمعدل 385%، من 48 ليرة سورية قبل بدء الأزمة في مطلع العام 2011، إلى 185 ليرة حالياً (بمقدار 137 ليرة خلال ثلاثة أعوام ونصف العام)؛ ينعكس إيجابياً على الاقتصاد الوطني مع تحسّن الإنتاجية وزيادة الصادرات وتراجع -وإن كان طفيفاً- في الواردات؛ ويلاحظ انخفاضاً في عجز ميزان المدفوعات، لأنه تسبّب بزيادة مداخيل التصدير التي يحصل عليها، ولأنه تسبّب أيضاً بتخفيض حجم الإنفاق على الاستيراد؛ ويمثل هذا التغيير في رصيد ميزان المدفوعات النتيجة التي تتوخاها البلدان المختلفة، حين ينخفض سعر صرف عملتها.
التنافسية
كما أنه ومع توفر شرطين رئيسيين حقق سعر صرف العملة “المتراجع” تحسناً ملموساً وإن كان طفيفاً بالمقدرة التنافسية، أثمر عن تحسين وضع ميزان المدفوعات، ويتعلق الشرط الأول: بمرونتي الطلب على الواردات وعلى الصادرات، لنفترض -على سبيل المثال- أن الطلب على الواردات غير مرن، أي إنه لا ينخفض مع ارتفاع أسعار السلع المستوردة بالعملة الوطنية، نتيجة خفض سعر صرفها.. في هذه الحالة، ينجم عن خفض سعر صرف العملة، ارتفاع في المبالغ المنفقة على الاستيراد، وتدهور إضافي في رصيد ميزان المدفوعات، كذلك يؤدي خفض سعر صرف العملة إلى ازدياد عجز ميزان المدفوعات، إذا كان الطلب الخارجي على الصادرات الوطنية غير مرن، أي إذا لم يترتب على انخفاض أسعار السلع الوطنية المعدّة للتصدير، زيادة في الطلب الخارجي عليها، وبالنتيجة النهائية يتضح أن هناك ارتفاعاً في الطلب حاصل على الصادرات السورية، وزيادة معدل حجم الصادرات خلال العام الجاري –حسب بيانات رسمية حكومية- يشير إلى ذلك.
أما الشرط الثاني الذي يفترض توفره لكي يعزز خفض سعر صرف العملة القدرة التنافسية للسلع الوطنية المعدة للتصدير، فهو خفض الكلفة، من خلال تخفيض الأجر الحقيقي للعاملين، ويؤدي خفض سعر صرف العملة لجعل هذا الأجر يتدنّى، ويعدّ هذا من الآثار الإيجابية المترتبة على الاقتصاد الوطني على المدى البعيد، بالمقابل يعدّ ضمن التداعيات السلبية على القدرة الشرائية للعامل ضمن فترة التصحيح الهيكلي للاقتصاد.

هيكلة
النتيجة الملموسة التي تتوخاها هذه السياسات المالية والنقدية، هي تحقيق فائض في الميزان التجاري، لكن اللغة التي تعتمدها في تبريرها تبدو أكثر طموحاً، إذ تقدم هذه السياسات نفسها على أنها عملية إعادة هيكلة الاقتصاد برمته، بهدف تعزيز قدرته على الإنتاج بغية التصدير، وتعد بإيجاد حلول ناجحة ونهائية للضعف البنيوي الذي عانى منه الاقتصاد خلال الأزمة، والذي يعبّر عنه ضعف قدرتها الإنتاجية وضعف مقدرتها على توفير ما يكفي من العملات الصعبة لدفع ثمن مستورداتها.
اعتماد سياسة التصحيح الهيكلي بواسطة خفض سعر صرف “الليرة” يفترض أن يتيح ذلك إضعاف القدرة على الاستيراد لاحقاً، وتطوير القدرة على التصدير، وأن يتيح له استعادة توازن ميزان المدفوعات، من دون أن يرتب عليه خفضاً لمستوى النشاط الاقتصادي فيه؛ إلا أن هذا التراجع في سعر صرف الليرة سينعكس انحساراً اقتصادياً حين تقلص قدرة البلد على الاستيراد، من دون أن يترتب عليها تطوير لقدرته على الإنتاج والتصدير، وقد أثبتت التجربة أن نجاح هذه السياسات النقدية يعتمد على مدى امتلاكنا لهيكليات إنتاجية متطورة، كما أظهرت التجربة أن سياسات التصحيح الهيكلي بواسطة سعر الصرف، صيغت في الأساس لمعالجة اختلال توازن ميزان المدفوعات.

تجربة
ثمة آثار إيجابية عديدة من خفض سعر صرف “الليرة” الرسمي، حقّقها الاقتصاد الوطني خلال ثمانينيات القرن الماضي من 11 ليرة آنذاك إلى 48 ليرة في مطلع العام 2011، فقد تمثلت في انخفاض قيمة الدين العام في نهاية العام 1999 إلى ثلث ما كانت عليه في نهاية العام 1988، وفي استعادة ميزان المدفوعات فائضه المعهود، وإيجابيات أخرى لجهة حفز القدرة التصديرية للاقتصاد السوري، والتي كانت ذات أهمية، والدليل على ذلك، أن قيمة الصادرات السورية تضاعفت عشرة أضعاف على امتداد ثلاثة عقود من الزمن.
دمشق– سامر حلاس