بين قوسين “عورات الوظيفة”
ابتليت وزارات ومؤسسات الحكومة خلال العقود الماضية بطابور خامس من الموظفين الذين أتت بهم سياسات وتوجّهات شبه “عوراء” لم تكن لترى أبعد من أنف الترقيع و”تمشاية” الحال كحلول إسعافية لم تجلب سوى الهم الكارثي لفئات وشرائح من العاملين الذين تحوّلوا في دوائرهم ومفاصل عملهم إلى عبء ثقيل على مظاهر العمل ومعرقل لجهود المخطط والمبرمج وصانع المستقبل؟!.
“رماديو القطاع العام” هو التوصيف الأقرب لمن امتهن الاتكالية والنوم في عسل الروتين والبيروقراطية والتسوّل من خزينة الدولة التي ترنّحت من كثرة الخطايا المتراكمة التي تحوّلت إلى تلال من التحدّيات الثقيلة بوجه تحوّل وتغيّر الجهات نحو الأحسن، فجلّ مَن يستحقون نعت الرمادية نالوا لقب موظف حكومي بالخطأ وترفّعوا وتدرّجوا وظيفياً ومهنياً بالمحسوبيات والواسطات والبعض الآخر ممن يعتبر نفسه محارباً بكفاءته ومهنيّته التي يتهم الآخر بركنها على الرفوف، في وقت راح فيه من استمات في طريق الوظيفة هرباً من الخاص وألاعيبه يعيث فنون الأذى والفوضى واللاعمل “ضارباً” الحكومة “منّيَة” أنه ابنها وله عليها واجب الراتب بمجرد أنه يستيقظ صباحاً ويجرّ نفسه متثاقلاً ويمتطي حافلة “المبيت” الحكومية وينزل إلى المؤسسة ليعود مساءً بالطريقة ذاتها أو باكراً بأسلوب التملّص والهريبة؟.
هنا طالما شكل هؤلاء رقماً ضاغطاً على الموازنات والأعباء التشغيلية والتوظيفية، فبعدما أخذوا فرصاً لا يستحقونها تحوّلوا إلى زمر وحشود من فئة “البطالة المقنّعة” بلبوس القوى العاملة التي تركت المئات من المستأهلين خارج مضمار التعيين وتفاصيله المعروفة، وبين صادح بخطابات التقليل من نسب البطالة والعطالة وزج الكفاءات ورواد السوق الجدد وبين “الكاذبين” على أنفسهم بأن التوجّهات والخطوات سليمة “ضربنا كفاً على كف” وكثّفنا عمليات الهرش في الرأس على وقع ما ارتكبناه، فمن أصبحوا بعهدة الدوائر الحكومية باتوا أصحاب مكاسب لا يمكن انتزاعها بسهولة في زمن كان فيه “الاجتماعي” عنواناً ثانياً لاقتصاد أخذ من السوق شعاراً أولياً؟!.
دعونا نعترف أن في أدبيات التوظيف عقدة مفادها التعيين على وقع الخجل من الرزق والاسترزاق ولعنة قطع الأعناق كتهمة قاسية عند مجتمع يعرف كيف يتصيّد مطاليبه بإطعام الفم حيث تستحي العين، ولا يمكن إنكار منعكسات الدعم الاجتماعي الذي ترجم خطأ في لازمة التوظيف عندما ورّط القطاع العام بمن هم ليسوا أهلاً لشغل مواقع أو شواغر، حيث تحوّلوا إلى فاسدين يخربون أكثر مما يعمّرون ولا يتوانون عن الإساءة وتعطيل العمل وجرّه إلى زواريب الترهّل والتراجع في طبيعة الإنتاج ومستوى الخدمات، والأهم سمعة القطاع العام وبالتالي النيل من هيبة مؤسسات الدولة… وبعض الفاعلين للأسف ممّن يسمّون “رماديي القطاع العام”..؟!.
علي بلال قاسم