تقنيَّة التواصل الاجتماعي إلى أين؟
مثيرة أوضاع الناس وهم منكبُّون على أجهزة الخلوي، منشغلون بأية رنَّة لرسالة (الواتس آب) أو غيرها من وسائل التقاطع الاجتماعي المتعارف عليها. قد لا تمضي دقائق دون تفقُّد الخلوي، في المطبخ أو على الدرج.. في الطريق وفي السيَّارات.. فهذا المرض المستشري، كم له من الجوانب السلبيَّة التي تبعد الناس عن التواصل الحقيقي مع أهلهم وأصدقائهم…! والغريب المضحك أن هناك عتباً على عدم المعايدة برسالة مثلاً في العيد.
مواقف لا تعدُّ، ولا تحصى، من شكوى الأمَّهات حول انشغال أبنائهن بالاتصالات الخلوية، فالأبناء على مائدة الطعام، يد تحمل الملعقة، والأخرى تضغط على أزرار الخلوي، هذا الهوس الذي يضحك حتى الألم، فكم من الوقت يهدر على اتصالات عابثة لا قيمة لها، وكم من الفكر يعطَّل، ويهدَّم فوق شبكات التشرذم الاجتماعي، فنحن أمام موجة من الحرب الإضافيَّة التي تشن علينا دون أن ندري، وبأسلحة ذكيَّة، أسحلة تدمِّر الإنسان بيده، وللأسف قد شغف بها أعداد هائلة من الناس.
نحن لا ننكر فوائد تلك الشبكات المهمة جداً في التواصل مع المغتربين والبعيدين عن ذويهم وما إلى ذلك، لكن بالقياس إلى سلبيَّاتها الكبيرة، قد تغيب كل الإيجابيات، وتبقى آثارها السلبيَّة طافية على السطح. نحن ندفع ثمن تعطل عقولنا كل يوم ملايين الليرات، وملايين الساعات من أعمارنا بلا فائدة تذكر، مجرَّد التسلية فقط. ولكن لكل مصيبة لها مستفيد، عن قصد أو دونما قصد، فالأطباء سيكون لهم زبائن قد لا تعدُّ، ولا تحصى في السنوات القادمة، سنجد الحشود الكبيرة أمام عيادات أطباء العيون، والأمراض العصبية والنفسية والعظميَّة، فمن يداوم على الخلوي كل اليوم ـ آخذون بالحسبان الفترة الزمنية المتباعدة قليلاً ريثما تصل الرسائل أو تتوفر الشبكة ـ فلا بد له من أن يصاب بمرض في عينيه، وربَّما يفكِّر في زيارة طبيب الأعصاب فقد يكون قد شكا من مناقير في الرقبة أو ديسك في الظهر.. نحن نتمنى للجميع الصحة والسلامة ولكن مثل هذه الوضعيات لا يمكن أن تجلب معها الخير أبداً، فكل أمر زاد عن حده انقلب إلى ضده، فلمَ لا تكون هذه الاختراعات تحت ضوابط شخصيَّة تلزم الناس بكيفيَّة استخدامها متى وكيف ولمَ؟ بشكل يكونوا فيه قد انتصروا عليها، وأعلنوا هزيمتها، وإلا سيكونوا الخاسرين بلا شك.
سريعة سليم حديد