مواقع التواصل الاجتماعي خلل أخلاقي في التعامل معها؟!
منذ بدء الأزمة السورية، صارت مواقع التواصل الاجتماعي أشبه بساحة صراع حقيقي تعيدنا إلى أيام حرب الزير سالم ومعارك داحس والغبراء بين معارض وموالٍ، ونصّبت بعض المواقع نفسها كمختار الحارة أو الحي لتقوم بتوزيع شهادات حسن السلوك وقوائم معينة تضم أسماء الشخصيات الوطنية وقوائم أخرى تضم الشخصيات الخائنة أو المتآمرة على الوطن. كما برز شيء آخر ملفت هو أن بعضهم قام بانتحال أسماء بعض الفنانين أو الوزراء أو رجال الدولة لإطلاق مواقف مؤيدة لما يجري أو منددة.
بالتوازي مع انتقال ما اتفِق على تسميته (الربيع العربي) من بلد إلى آخر، تحوّل الفضاء الافتراضي إلى محكمة حيث يحقّ لروّادها ما لا يحق لغيرهم! فانتشرت على الشبكة العنكبوتية قوائم العار والشرف وشهادات الوطنية على النجوم وفق مزاج (المناضلين الجدد) الذين اتخذوا من حواسيبهم مساحة لخوض معارك طاحنة قوامها الإلغاء والمنع والردح والشتم.
هكذا، صار مسموحاً أن يصبح فنان ما (شبيحاً) وفنانة أخرى (بلطجية) بحسب رواد المواقع الإلكترونية التي فاجأتنا بقدراتها الخارقة على الإطاحة بالتاريخ النضالي لشخصية ما واتهامه بالتملق والرياء فقط لأنه يعي أبعاد الأزمة السورية ولا يتوانى عن انتقاد بعض الأنظمة الخليجية مثلاً!
وعلى صفحات التواصل الاجتماعي ترى العجب!.
أبطال افتراضيون من صنعة هذا (الخريف العربي النازف) يحيكون أحداثاً ومواقف وقصصاً ما أنزل الله بها من سلطان بعدما كانوا يقبعون في الظل، ولم يسبق لأحد أن عرف بوجودهم أو سمع صوتهم ليركبوا موجة (الربيع المزيّف) ويحقّقوا النجومية المشتهاة. وبموازاة ذلك، يغرق العالم الافتراضي في بحر من التزوير والكذب وانتهاك خصوصيات الآخرين وانتحال صفات المشاهير سواء أكان ذلك في عالم الفن أو السياسة أو الاقتصاد أو الطب أو غير ذلك. هكذا، قد تسمع موقفاً حساساً لأحد نجوم الدراما على مواقع التواصل، لكن سرعان ما تكتشف أن النجم المذكور قد ألغى حساباته ورحل عن الشبكة العنكبوتية منذ اندلاع الأزمة في بلاده. أما صاحب التصريح، فليس سوى محتال قرر انتحال صفة نجم يحبّه أو يكرهه وينسب إليه مواقف قد تؤذيه وتضر بسمعته.
ما فاجأني وأنا أتبادل أطراف الحديث مع إحدى الشخصيات ممن يدّعون ناصية الأدب والثقافة والفكر ومواكبة الحضارة هو ذلك الانحدار الخطير بالأخلاق وبالوعي فهذا الذي تجاوز الستين من عمره يحاول العودة للشباب عبر هذا العالم الافتراضي فيقيم العلاقات الغرامية المتعددة مع شخصيات تدّعي أنها من الجنس اللطيف فيعلق على ما تكتبه هذه ويتملق لتلك ويسهر حتى أوقات متأخرة من الليل وهو يتغزّل بهذه ويتحرّش بتلك، والأنكى من كل هذا هو إصرار البعض على اقتناء لعنة -السكايب- بغية التعري وممارسة ما يمكن ممارسته من مشاهدة ترضي غرورهم وتشحذ ما بقي لديهم من غرائز!
ولا أعلم لماذا يصر البعض ممن امتلكوا ناصية الكلمة وممن قرأنا لهم وما زلنا نقرأ الكثير ونحفظ بعض أشعارهم وبعض ما كتبوه ونشروه من أعمال أو من خلال ماكتبوه ويكتبوه على صفحاتهم على الانحدار الخطير في أخلاقهم وسلوكهم، وكم كنا نتمنى لو أننا لم نتعرّف إلى الطريقة التي يعيش بها هؤلاء والعقلية العفنة التي تسكن أدمغتهم، تقول إحداهن التي فاجأتها طريقة تفكير هؤلاء وذهابهم بعيداً عن الآداب العامة لمجرّد قبولها لطلب الصداقة فهل باتت كل من تخصّص بحساب على صفحات الفيسبوك بمثابة الفريسة السهلة التي يمكن بسهولة الوصول إليها وممارسة ما يمكن ممارسته معها من – قلّة الأدب – إن جاز التعبير؟!
هل بات علينا أن ندفع ثمن الحضارة الوافدة إلينا عبر المحيطات والبحار طالما أننا لم نمتلك بعد القدرة على احترام الرأي الآخر، خصوصاً إذا كان هذا الرأي يعارض توجهاتنا وقناعاتنا؟!. ثم لماذا لا تكون تلك المواقع بوابة أو نافذة للحوار الحضاري الهادف إلى الارتقاء بالإنسانية والفكر الإنساني والبحث عن مقومات النجاح والخير ومشاركة الآخر في كل ما من شأنه إيجاد مخارج للأزمات التي تعصف بهذه الكرة المضطربة التي تتقاذفها الأقدام من كل حدب وصوب!
رمضان إبراهيم