اقتصاد

التمويل الذاتي في وحدات الإدارة المحلية بين الغاية والوسيلة القانون أمّن لها 15 مصدراً للدخل لكن أهمّها مستثمر بخسارة..!؟

يتضح من خلال مطالعة نص المادة 134 من قانون الإدارة المحلية الصادر في المرسوم التشريعي رقم 107 لعام 2011، أن مصادر تمويل وحدات الإدارة المحلية (المدن – البلدات – البلديات) عديدة، وقد استعرضت المادة السابقة، 15 مصدراً إضافياً، تحت عنوان “مع مراعاة القوانين والأنظمة النافذة” يضاف إلى إيرادات المدن والبلدات والبلديات، ومن هذه المصادر الـ15، المصدران الآتيان:
– فائض المؤسسات والشركات والمشاريع ذات الحسابات المستقلة التابعة للمدن والبلدات والبلديات.
– حصيلة بيع وتأجير واستثمار العقارات الخاصة بالمدن والبلدات والبلديات وفق القوانين النافذة.
المؤكد أنه من المتوجب أن يكون لدى وحدات الإدارة المحلية، مصادر دخل من هذين البندين قبل إصدار القانون المذكور، ولكن واقع الحال لا يزال يظهر أن عشرات الوحدات الإدارية في أية محافظة من محافظات القطر -بما في ذلك وحدات المدن- لا تملك أي مؤسسة أو شركة أو مشروع بحساب مستقل يتبع لها، يشكل مصدر دخل يدعم ميزانيتها السنوية، وعلى الأغلب لا يتحقق الدخل المتوجب من مثل هذه المشاريع، في حال وجودها لدى بعض الوحدات، لا بل ربما كان بعضها خاسراً.
أما بخصوص العقارات، فالكثير من الوحدات الإدارية تملك عقارات خاصة بها، وخاصة أن المشرِّع السوري اعتبر أن جميع أملاك الدولة الواقعة ضمن المخطط التنظيمي للوحدة ملك لها، ولكن أغلب الوحدات الإدارية تعمد إلى بيع أو تأجير العديد من العقارات التي تملكها بمبالغ تقل بشكل ملحوظ عن السعر الدارج في السوق، ما يحقق كسباً غير مشروع لبعضها، مقابل خسائر أكبر بكثير تلحق بأموال الوحدة الإدارية والمال العام، وغالباً يتم ذلك بحِيَل قانونية عديدة لا تخفى على ذي بصيرة، ويندر أن نجد وحدة إدارة محلية تعمد إلى استثمار العقارات التي تملكها، في مشاريع خدمية أو إنتاجية تدرّ دخلاً متتابعاً.
من المفترض أن لدى كل وحدة إدارية بيان ملكية بخصوص العقارت التي تملكها، وبموجب هذه الملكية تؤجر أو تبيع أو تستثمر، ومن حقها أن تعمد إلى استثمار عقار أو جزء من عقار (تملكه) لاستخدامات عديدة، بما في ذلك تنظيم أسواق أو أكشاك تستثمرها أو تؤجرها، ولكن اللافت للانتباه أن أغلب الوحدات تؤجر أو تستثمر ما لا تملكه، فهي تؤجر أو تستثمر أجزاء من الأرصفة والساحات والحدائق، من خلال الأكشاك التي تضعها أو ترخِّص بوضعها في هذه الأماكن، دون أن يكون بين يديها أي سند قيد عقاري بهذا الخصوص، فالأرصفة والساحات والحدائق مرافق عامة، مُعدَّة مسبقاً لغاية النفع العام، وأصبحت ملكاً عاماً يخص كل المواطنين، ولم تعد ملكاً للوحدة الإدارية التي أقامتها، ولو كانت معنية بتأمين كل ما يتعلق بتخديمها، وبالتالي ليس من حقها تأجير أو استثمار جزء منها، لأنها ليست مُعدَّة لهذه الغاية، وأي استثمار لها خلافاً للهدف الذي أنْشِئت من أجله يشكل مخالفة قانونية، ويضر بالمصلحة العامة جمالياً وبيئياً، ويضر بحركة انتقال البشر والآليات، وفي حال اقتضى الأمر –تحت عنوان وآخر– وجود مثل هذه الأكشاك في هذا المكان أو ذاك، على الوحدة الإدارية أن تلحظ بشكل مسبق الأمكنة التي لها حق استثمارها –لهذا الغرض أو ذاك- عند تنظيم الشارع والساحة والحديقة، وبما لا يضر بحالة النفع العام المتوخَّاة من هذه المرافق، أو تخصص أمكنة مناسبة لذلك في العقارات المجاورة التي تملكها بالقرب من هذه المرافق، على أن تكون خارج الأرصفة وخارج الساحات وخارج الحدائق.
تقتضي المصلحة العامة، أن تعمد السلطات الرسمية الأعلى (رئاسة مجلس الوزراء)، إلى أن تضع قانون الإدارة المحلية موضع التطبيق فيما يخص إيرادات الوحدات الإدارية، وتحديداً فيما يخص وجود مشروع إنتاجي أو أكثر لكل وحدة إدارية، يدرّ لها دخلاً يدعم ميزانيتها، مع رقابة صارمة تضمن تحقق دخل متناسب مع حجم ونوع الاستثمار بعيداً عن الفساد المعهود الذي يؤدي إلى غير ذلك، ما يستوجب أن يتم العمل على إلزام وحدات الإدارة المحلية أن يكون لكل منها مشاريعها الإنتاجية، بحيث تكون أفضلية استثمار رصيد حسابها المالي لغاية إقامة مشروع إنتاجي أو أكثر هي الهدف الأول والأساس لكل وحدة إدارية، على أن تقام المشاريع الخدمية لاحقاً من تراكم إيرادات المشاريع.
وعليه، أليس من حق المراقب أن يتساءل: لماذا لا تعمد الوحدات الإدارية إلى إحداث مشروع استثماري إنتاجي على عقار تملكه أو تشتريه، ويشغِّل خمسة أو خمسين عاملاً، ويضمن إنتاج سلعة يحتاج إليها السوق، ويحقق ربحاً يدعم ميزانيتها، بدلاً من أن تنشئ لهؤلاء خمسة أو خمسين كشكاً على ما لا تملكه، سواء أكان رصيفاً أم ساحة أم حديقة عامة؟!.
عبد اللطيف عباس شعبان
عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية