اقتصاد

الاستثمار في الدولار.. طرح يستحق أكثر من النظر..

سبّبت عمليات المضاربة والاتجار بالدولار في السوق السوداء العام الماضي، صعوداً كبيراً في سعر صرفه، قبل أن يسنّ قانون يمنع الاتجار به، كما نشطت وزارة الداخلية والمصرف المركزي دورياتهما وشدّدتا الرقابة على مراكز الصرافة ما ساهم في انخفاض سعره واستقراره..
واليوم وبغض الطرف عن الأسباب المباشرة وغير المباشرة والحقيقية الفعلية أو الوهمية التي جعلت سعر الصرف في السوق السوداء يتجاوز حد الـ200 ليرة، نودّ طرح مقترح نعتقد أنه يستحق أخذ الحيز المطلوب من الاهتمام والمتابعة، علّنا نساهم في الحدّ من لعبة “توم وجيري” التي تشهدها سوق الصرف السوداء وحتى النظامية على حدّ سواء، التي لا نكاد نتنفس الصعداء حين انخفاض الدولار واستقراره، حتى نُعاود الزفير والتوتر وضرب الأخماس بالأسداس.
مزاوجة الحل
زيادة في الإيضاح نبيّن أن ما نريد طرحه ينطلق من الاتهام القائل: إن الارتفاع الحالي لسعر صرف الليرة أمام الدولار واليورو، يرجع حسب بعضهم إلى بدء التجار بالتوقف عن بيع الدولار ولجوئهم إلى شرائه –حتى بأسعار أعلى- تخطيطاً لتحقيق مكاسب أكبر في حال ارتفاعه، علماً أنهم وغيرهم يتحكمون إلى حدّ مهم بهذه اللعبة.
استناداً إلى ذلك وبحكم التجربة نجد أن المواطن العادي الذي يدّخر شيئاً من الدولار أو اليورو هو الخاسر ويكاد يكون الأوحد إلى جانب الدولة بالطبع.
وفق ذلك نطرح مقترحنا المتواضع عبر التساؤل الآتي: لماذا لا تعمد الحكومة عبر جهاتها وأذرعها المعنية بالاستثمار بالدولار إلى إحداث شركة تشاركية مساهمة لتوظيف مدّخرات المواطنين من العملات الصعبة، مهما كانت قيمة تلك المدخرات، بحيث تكون الحكومة هي الجهة المعنية بإدارة وتوظيف ما يتوقع جمعه من عملات وخاصة الدولار واليورو؟.
وللتوضيح أكثر نقول: المطلوب أن يكون دورها محصوراً ومختصاً في استثمار تلك العملات بعملية تمويل المستوردات، أي تحريك تلك العملات مقابل فوائد -تعطى للمواطن الراغب بتوظيف ما يمتلكه من تلك العملات- بالعملة نفسها أو بما يعادلها بالليرة السورية ووفق تغيّر سعر الصرف، وبضمانات كاملة لا يطمئنّ إليها مواطننا إلا إذا كانت حكومية.
..”بدولار” واحد
طرح لعلّنا نعتقد جازمين أن له من المنعكسات الإيجابية المهمة ما يستدعي من أصحاب القرار العمل جدياً على تحقيقه.
منعكسات ليس أولها وضع حدّ لقلق المواطنين المدّخرين (ادخار صغير أو متوسط وحتى كبير نسبياً)، لكم من العملة الصعبة، الذين يقعون في كل لحظة ضحية عمليات التلاعب والمضاربة والإشاعة، التي هي أكبر منهم.
مؤشر استقصيناه من متابعتنا لعدد من المواطنين الذين أبدوا تخوّفهم من المساءلة إذا ما أرادوا إيداع دولاراتهم في المصارف، وخاصة بعد القرارات والإجراءات الأخيرة التي فرضها المركزي تحت ما يمكن أن يوضع في إطار “من أين لك ذلك”، الأمر الذي دفع الكثير من المواطنين إلى وضعها كما يقال: “تحت البلاطة”، تحسّباً لطارئ..
كل ذلك بالإضافة إلى ما سيشكله تطبيق هذا المشروع من تقليص للسوق السوداء ولدور المتحكّمين بها، فضلاً عن أنه يمنح المركزي قوة مضافة في ضبطه لتذبذبات السوق والابتعاد بها عن الاهتزازات الخطرة المفتوحة في لحظة ما على كل احتمال، كما يمكّن من تعزيز الثقة بين المواطن والحكومة استناداً إلى أن الأخيرة ستكون المرجعية الأكثر طمأنة للأول.
وزيادة على ذلك وغيره من تفاصيل المنعكسات الإيجابية على سياستنا النقدية والمالية، فإن هذا المشروع سيؤمّن العديد من فرص العمل للخريجين الداخلين إلى سوق العمل سنوياً، وخاصة في ظل التأثير البالغ للتضخم على تنامي قضية البطالة، حيث يشكل سعر الصرف أحد العوامل المؤثرة في تزايد التضخم.
لذلك يستحق
ولعلنا فيما تقدّم من طرح ومقترح نتلاقى في الهدف الواجب دعمه الذي أكده في سياق تعليقه على الارتفاع الحالي لسعر صرف الدولار، الدكتور أديب ميالة حاكم مصرف سورية المركزي من أنّ هناك حرصاً على صرف كل دولار في مكانه، حيث إن الإشاعات والأخبار المفبركة عن ضعف وتوقف تدخل مصرف سورية المركزي في سوق القطع الأجنبي -حسب المركزي- لعبت دوراً في ارتفاع سعر الصرف، علماً أنه كان ولا يزال يعقد جلسات تدخّل ولكن شركات الصرافة لم تقُم بالشراء، والسبب كما كانت تعلن أنها غير محتاجة ومكتفية!؟، الأمر الذي يشير إلى حقيقة ما يحدث ومن يحاول إحداث اختلالات بنيوية وإجرائية في سوق الصرف، وبالتالي فإن العمل على إطلاق المشروع الذي اقترحناه، بات يصبّ في إطار التدخّل الإيجابي لضبط تداول عمليات الصرف بوسائل وطرق نظامية واستثمارية تصبّ في مصلحة الجميع.

إذاً متفقون
وما يدعم طرحنا تأكيد الحاكم نفسه، أن الظروف الحالية للاقتصاد السوري تفرض ضرورة تركيز الجهود خلال المرحلة القادمة على توفير القطع الأجنبي الخاص بتمويل المستوردات لأكبر شريحة ممكنة من التجار والصناعيين، الأمر الذي من شأنه حسب المعطيات أن يؤدّي إلى تعميم حالة من الإيجابية والارتياح في السوق نتيجة تحقيق عدالة أكبر في بيع القطع الأجنبي، ولاسيما أنه يستهدف الشريحة الأكبر في السوق.. والسؤال: هل يحظى طرحنا بالتجاوب؟.
قسيم دحدل
Qassim1965@gmail.com