اقتصاد

وقفة اقتصادية مع تتالي المزيد من الإعفاءات المالية

شهدت العقود الأخيرة تخلُّف آلاف المقترضين الزراعيين عن تسديد أقساط قروضهم من المصارف الرسمية، وكثيراً ما كان ذلك في محافظات أكثر من غيرها، ولسنوات عديدة خلت شهد القطاع الصناعي، وقطاعات أخرى ظهور حالات عديدة من تخلف المقترضين، ما اقتضى أن تعمد المصارف المقرضة –بإيعاز من السلطات الرسمية العليا- إلى تأجيل أو إعادة جدولة لأقساط الكثير من القروض وخاصة للمقترضين العاملين في القطاع الزراعي، وترافق بعضها مع إعفاءات جزئية أو كلية من الفوائد المتراكمة، حال التسديد الميسَّر، ولاحقاً تم إعفاء العديد من المقترضين من بقية أقساط القروض القديمة، ومع ذلك لم تتدنَّ نسبة المتخلفين، بل ازداد عددهم وازدادت المبالغ المدينة المتراكمة أضعافاً مضاعفة، وما زال العديد من المصارف يشكو من آلاف الأقساط المستحقة دون تسديد، واللافت للانتباه أن الحالة نفسها انسحبت على المستحقات الضريبية لكثير من المكلفين أفراداً ومؤسسات عامة وخاصة، وأيضاً لآلاف المشتركين في خدمة الطاقة الكهربائية وخدمة المياه وخدمات الاتصالات، بما في ذلك المستحقات التأمينية المتوجبة على كثير من الأفراد والمنشآت، ومجدَّداً ظهر على طاولة مجلس الشعب نوع جديد من المستحقات المتخلف عنها.
مع ذلك ما زلنا نشهد توالي صدور العديد من الإمهالات، وإعادة الجدولة والإعفاءات الجزئية أو الكلية، لكثير من المقترضين والمتخلفين عن الأقساط والمستحقات المالية المتوجبة عليهم، فقبل أيام (حسبما ورد في الصفحة الأولى من صحيفة البعث ليوم 5/11/2014)، أقر مجلس الشعب مشروع القانون المتضمن إعفاء مكلفي الرسوم المالية والتكاليف المحلية، وغرامات مخالفات البناء والنظافة والأنظمة البلدية، وأقساط قيمة المقاسم في المدن والمناطق الصناعية، وبدلات الإيجار والاستثمار والديون العائدة لأي من سنوات 2013 وما قبل، من الفوائد والجزاءات وغرامات التأخير، إذا سدّدوها حتى 31/12/2014، وأصبح قانوناً، حيث أوضح وزير الإدارة المحلية “أن القانون سيؤمّن السيولة اللازمة للوحدات الإدارية، بما يسهم في تغطية نفقاتها وتحسين الخدمات المقدمة للمواطنين وتنفيذ برامجها وخططها، وتحسين مستوى الجباية وتشجيع المكلفين على تسديد ما يترتب عليهم من رسوم وتخفيف الأعباء عنهم، نتيجة منعكسات الأزمة التي تمر بها البلاد على الوضع الاقتصادي للمواطنين والمستثمرين والصناعيين والحرفيين، ما جعلهم غير قادرين على تسديد ما يترتب عليهم من رسوم وتكاليف محلية”، موضحاً أن القانون يشمل طيفاً كبيراً من الغرامات المنصوص عليها في مخالفات البناء والرسوم، والجزاءات والفوائد المترتبة على المواطنين والصناعيين.
مع كل التقدير والإجلال لسماحة الدولة مع مواطنيها من خلال تتالي صدور ما سبق ذكره، أليس من حق المواطن المهتم أن يتساءل: ألا توجد نسبة غير قليلة من المتخلفين المشمولين بهذه الإعفاءات من شريحة سيّئي النية، وتخلّفهم ليس نتيجة أزمة حالية أو سابقة، بل جاء عامداً متعمّداً، وربما كان المزيد من الإعفاءات المتتالية التي تشملهم، دافعاً لهم ولأمثالهم، للمزيد من التخلف عن تسديد المستحقات، بل المزيد من الاقتراض بمئات الملايين، حيث تبيّن أن بعضه مؤسس على حيل عديدة، ومتبوع بالسفر خارج القطر والامتناع عن التسديد كلياً، ما يجعل من الضروري أن تعمل السلطات الرسمية على إعادة النظر بكثير من التسهيلات والإعفاءات، بحيث تكون مدروسة جيداً، وغير شاملة، أي يستفيد منها -بشكل جزئي ولمرة واحدة– فقط أولئك الذين تخلفوا لظروف قاهرة جداً، وتقتضي المصلحة الوطنية والاجتماعية مساعدتهم، ولكن ليس بصيغ تشجّع على تكرار ذلك منهم أو من غيرهم على حساب المصلحة الوطنية، مع عقوبة صارمة لكل ما عدا ذلك، كي يرتدع المستهترون والمسيئون للمال العام.
أيضاً، من حق المواطن المهتم أن يتساءل: لماذا لم تعمد السلطات المعنية إلى اعتماد إجراءات إدارية تخفف من هذا التخلف بدلاً من زيادته، وما دامت الدولة تكافئ المتخلف بمزيد من الإعفاءات، فلماذا لا تكافئ الملتزم بمزيد من الحسميات والمكافآت التي من المتوجب أن تحض على المزيد من التسديد وتؤسّس لتخفيف نسبة المتخلفين، ومن ثم ما السرّ في قدرة الدولة (وما هي مبررات قرار السلطات الرسمية) للمزيد من هذه التسهيلات والإعفاءات المتتالية، وخاصة في الظروف الراهنة، التي تستوجب فرض المزيد من الغرامات والضرائب، المشكوّ منها على قلّتها.
عبد اللطيف عباس شعبان
عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية