قــوة الـبـعـث فـي جمـاهيره الواسعة وقـائـده الاستثنائي
بقلم: الرفيق هلال الهلال
الأمين القطري المساعد للحزب
منذ نشأته، كانت قوة حزب البعث العربي الاشتراكي تكمن في علاقته القوية والتفاعلية بالجماهير، والتي مكّنته من قراءة الواقع قراءة ثورية صائبة، بل إن نظرية الحزب القومية لم تكن اختراعاً فكرياً، بقدر ماكانت استقراءً لفكر الجماهير العربية، واستجابة لطموحاتها وتطلعاتها، وهنا يكمن سرّ شعبية الحزب العارمة التي جعلت منه، في زمن قياسي، الحزب الجماهيري الأول في الوطن العربي. فلما وقع في الجمود الإيديولوجي والسياسي، وانتقلت مرجعيته المعرفية والفكرية من الجماهير الى الإيديولوجيا، فَقَدَ أهم عناصر جاذبيته ومصداقيته، حتى جاء التصحيح عام 1970 فأعاد الاعتبار للمرجعية الجماهيرية والواقعية الثورية، مدشّناً بذلك مرحلة تاريخية جديدة في حياة الحزب والوطن والأمة تميزت بالنجاح في بناء قوة الدولة الوطنية السورية الحديثة القادرة على مواصلة الدور القومي الريادي، وحمل المشروع البعثي النهضوي، على الرغم من كل التحديات والصعوبات، ولاسيما تلك الناجمة عن المتغيرات الدولية الدراماتيكية، ومازالت العناصر الأساسية لتلك القوة والمتمثلة في: الوحدة الوطنية، والتعددية السياسية والحزبية، والقرار السيادي، والتنمية المستقلة، والجيش العقائدي الذي لم تمض سنوات ثلاث على قيام التصحيح، حتى كان يزيل ببطولاته المشهودة الآثار السياسية والنفسية الكارثية لنكسة 1967، ويخلق المناخ الملائم لانطلاق المقاومة العربية، مازالت تلك العناصر حتى اليوم تشكل أساس الصمود العربي السوري في مواجهة التحدي الامبريالي الغربي بوجهيه الصهيوني القديم والإرهابي التكفيري الجديد.
في الذكرى الرابعة والأربعين لهذا الحدث الوطني والقومي الكبير، نستذكر مع جماهير شعبنا وأمتنا إنجازاته بكثير من الفخر والاعتزاز، ونستلهم معها روح تشريني التصحيح والتحرير في تصويب المسيرة والدفاع عن الوطن، والتمسك بالثوابت القومية، لكننا في حزب البعث العربي الاشتراكي الذي خرج التصحيح من صفوفه مجسّداً أرقى قيمه الوطنية وخياراته الجماهيرية ومُثله القومية، نعمل أيضاً على تحويل الهاجس الحزبي للتصحيح، ألا وهو جماهيرية البعث، الى حالة حزبية متقدمة يتكامل فيها العمل اليومي بين الجماهير مع المراجعة والنقد والتطوير المستمر، منطلقين في ذلك من جملة الأفكار والتوجيهات العميقة التي يزودنا بها الرفيق بشار الأسد الأمين القطري للحزب والتي تؤكد على ضرورة:
-تعزيز علاقة الحزب بالجماهير عبر تفعيل المنظمات الشعبية والنقابية، «لأن الخطأ الذي حصل في مراحل سابقة هو أن كثيراً من الحزبيين أرادوا أن تكون علاقتهم مع الجماهير عبر السلطة، في حين أن الأقنية الحقيقية لأي حزب هي المنظمات والنقابات والمجتمع المدني بشكل عام».
– “مكافحة الفساد سواءً في الدولة أو داخل الحزب لأنها أحد أهم أركان عودة الحزب الى قواعده الحزبية والى جماهيره الواسعة”.
– تفعيل الحوار داخل الحزب، واعتماد ثقافة النقد أساساً لتطوير عمل الحزب، «لأن التطوير يستلزم رؤية الأخطاء وهذا غير ممكن إن لم يكن هناك نقد»، و«الابتعاد عن اللغة السطحية والخطابية والإنشائية، واعتماد منهج التحليل العلمي».
– الالتحام بالجماهير والعمل على الأرض والتواصل مع الناس ومحاورتهم ومشاركتهم معاناتهم اليومية ومعالجة قضاياهم المعيشية.
– السلوك المستقيم للقيادات والكوادر الحزبية، «فالناس لاتعنيها الإيديولوجيا بقدر مايعنيها السلوك»، و«الأداء الشخصي على مستوى البيت والحي مهم لكسب المزيد من المؤيدين للحزب».
– تفعيل الإعلام الحزبي ليكون “عين البعثي الرقابية على أداء الحزب، وصوت البعثي لنقل مشكلاته ومعاناته”، وليكون “قناة للتواصل بين القيادة والقواعد وبين البعثيين أنفسهم”.
وقد حصدنا بعض ثمار عملنا على إعادة بناء جماهيرية الحزب من خلال تنفيذ تلك التوجيهات، ولاسيما تفعيل الدور الحركي التواصلي والاجتماعي للجهاز الحزبي في مختلف مستوياته، وأهمها الفرق الحزبية، وتطوير أساليب عملها الميداني المستجيب لتحديات الأوضاع المعيشية الصعبة التي أفرزتها ظروف الأزمة، حصدنا إقبالاً كبيراً على تثبيت العضوية في الحزب، واتساعاً هاماً في جمهور المؤيدين. وتعزّز، انطلاقاً من هذا الواقع الجديد، دور الحزب في محاربة الإرهاب التكفيري، وتفكيك منظومته الفكرية، وتجفيف منابعه الاجتماعية، وتهديم حواضنه الثقافية، فضلاً عن مواجهته ميدانياً بالتكامل مع الجيش العربي السوري البطل، وهدفُنا الملح اليوم بالإضافة الى ذلك، هو تحصين الجسم الوطني ضد الآثار النفسية والثقافية والاجتماعية الضارة للإرهاب التكفيري، وسدّ كل الثغرات الممكنة في وجه عودته بعد دحره حتى آخر مرتزق أجنبي على يد قواتنا الباسلة التي تقترب يومياً بانتصاراتها المتلاحقة من تحقيق هذا الهدف.
إن جماهيرية الحزب هي اليوم أحد أهم منطلقاتنا وأهدافنا، فكما جاء فكر البعث استقراء لعقل الجماهير وسبراً لوجدانها وتمثُلاً لأهدافها، نحرص اليوم على استقراء فكرها وتجسيد تطلعاتها في عملنا الدؤوب على تطوير الحزب فكراً وتنظيماً تطويراً نوعياً شاملاً يستجيب لتحديات الواقع بمختلف أبعاده الوطنية والإقليمية والدولية، واستنهاض قواعده وجماهيره، واستنفار قواه، واستثمار طاقاته في إنجاز مهام المرحلة على الصعيد الوطني، ولاسيما مقاومة الإرهاب، وحماية الوحدة الوطنية، وإعادة إعمار الدولة، والتوجُه قومياً الى بناء الكتلة الشعبية التاريخية المؤهلة لحمل المشروع النهضوي العربي والنضال في سبيله، وكلنا ثقة في تحقيق هذه الأهداف وتذليل الصعاب التي تواجه عملنا. كيف لا والأمين القطري الرفيق بشار الأسد هو اليوم بما له من كاريزما نموذجية، وحسّ وطني قومي وإنساني بالغ العمق والأصالة، ودور حيوي في مقاومة قوى الاستعمار والهيمنة وجحافل التخلف والظلام، القائد العربي الجماهيري الأول الذي تجاوزت جماهيريته الساحة الوطنية الى الساحة القومية وامتدت الى الساحة الدولية.
لقد منّ الله تعالى علينا بهذا القائد الاستثنائي، وأرادت مشيئته أن ينال الرفيق بشار الأسد شرف قيادة معركة الدفاع بكل شجاعة واقتدار عن العروبة والإسلام ضد الغزو الإرهابي التكفيري أداة المشروع الامبريالي الصهيوني في المنطقة، وأن يجسّد أملهما الحقيقي في غد حضاري تتبوأ فيه أمتنا مكانتها اللائقة بين الأمم الحرة، وتشرق شمسه نوراً وخيراً على الإنسانية جمعاء، فلا أقل من أن نقتدي، نحن البعثيين به، ونتخلّق بأخلاقه السامية وشجاعته الفائقة، ونتمثل مناقبيته الأصيلة ووطنيته العظيمة في عملنا وسلوكنا ونضالنا، فبهذا فقط نثبت جدارتنا بأن نكون جنوده المغاوير في كل مكان من وطننا الغالي وفي كل وقت، ونصنع بقيادته المعجزات، تماماً كما يصنع بواسل قواتنا المسلحة في ساحات المعركة المصيرية كل يوم.
تحية لذكرى التصحيح وروح قائده التاريخي حافظ الأسد وأرواح شهدائنا البررة.
تحية لجماهير حزبنا المناضل وشعبنا الصامد.
تحية لجماهير أمتنا التي ينبض وجدانها بحب سورية وتقدير دورها القومي المقاوِم.
تحية إجلال وإكبار لجيشنا الأبي الذي يبذل أعظم التضحيات دفاعاً عن الوطن والأمة وإنقاذاً للبشرية جمعاء من شر الإرهاب التكفيري.
وعهداً أن يبقى حزبنا مشعل الزمن العربي الجديد، زمن الصمود الوطني، والعروبة المقاوِمة، زمن النصر المؤزر على أعداء العروبة والإسلام والإنسانية، زمن القائد بشار الأسد.