محليات

“مفوكس”

لم يراعِ أنه في الشارع، ولم يكترث للموجودين من النساء والأطفال الذين كانوا شهوداً على ضياع الكثير من شبابنا في زواريب المحنة، ليلتقوا على دروب الإدمان والعبثية الحياتية دون أي هدف.. كان يصرخ مطلقاً جميع أنواع السباب والشتائم والألفاظ والحركات الغريبة المسيئة لكل المارة والتي تقاطعت مع قهقهات رفاقه المثيرة للاستياء وللرفض الاجتماعي والأخلاقي، ومن المؤسف القول إن هؤلاء الشباب الصغار الذين تتراوح أعمارهم مابين 16 و18 عاماً ليسوا إلا مشاريع صغيرة في عالم الجريمة، فالقصة تبدأ بالشلليّة ومن ثم الانجرار وراء الأهواء، وفيما بعد السقوط الحتمي في ساحة الانحراف بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى، وخاصة مع غياب الحاضنة الأسرية والاجتماعية القادرة على التوجيه والإرشاد وكبح الجموح الشبابي أو ما يسمّى “الطيش”!.
اللافت في هذه الظاهرة انتشارها بين الفئات العمرية الصغيرة التي تزداد تصرفاتها وتوجهاتها غرابة في مجتمع يعاني من الإرهاب، ويعيش محنة النزوح والفقر الذي يشرعن جميع أنواع الانحراف ويمنحها فرصة التكاثر والاستمرارية، وطبعاً هذا المشهد الذي يعنون بعبارة “مفوكس” أي تحت تأثير أحد أنواع المشروبات التي باتت موجودة في كل المحلات دون أية رقابة صحية أو قانونية.. يضاف إلى مشاهد كثيرة باتت حاضرة في المجتمع كدلائل وبراهين على واقع اجتماعي جديد مشبع بالمتغيّرات التي تنبئ بانحدار فكري قميء وانزلاق أخلاقي بأوجه ثقافية إنسانية وأفكار شبابية بأبعاد ودلالات الانحطاط التي كسرت قيود العيب وأعلنت تمردها على الأعراف والتقاليد الاجتماعية أولاً وعلى الأنظمة والقوانين ثانياً، لتصبح واقعاً بديلاً عن منظومة القيم والمبادئ التي كانت تنظم العلاقات في أطرها الصحيحة.
ومع انقلاب المفاهيم تحت مسمّى «الأزمة» بكل تداعياتها السامة التي نالت من حياة الناس لم تعد المسألة فردية، بل باتت قضية اجتماعية عامة بعد أن أصبحت الأخلاق والقيم بحدّ ذاتها سلعة قابلة للبيع والتجارة في مزادات عامرة بكل أنواع المخالفات والممارسات التي لا تليق بمجتمعنا القائم على منظومة من الركائز الأخلاقية التي تكشف الأيام الحالية مدى إصابتها بأمراض تجارة الجسد وتعاطي كل ما من شأنه تخريب الأجيال وتعطيل مقدرات الشباب وتكوين جيل بثقافة الفساد ومفاهيم غريبة بعيدة عن واقعنا.
وللهروب من فخ مصادرة الحريات والتدخل بشؤون الآخرين، وكي لا نُتهم بشحن الأفكار السوداوية التي رسمت الأزمة عناوينها المستقبلية، نجد أنه من الضروري دق ناقوس الخطر الاجتماعي والأخلاقي، وأن نسأل الجميع: لو رفعنا الغطاء عن مجتمعنا ويوميات الناس في هذه المرحلة ماذا نرى؟!.
بشير فرزان