في أصبوحة في اتحاد الكتّاب العرب وقائع الأزمة تتلاحم مع واقع المخيمات بين الرمزية والواقعية
لمناسبة الاحتفال بالذكرى الرابعة والأربعين للحركة التصحيحية المجيدة أقام اتحاد كتّاب العرب فرع القنيطرة أصبوحة أدبية في مقر الاتحاد في المزة ،بحضور رئيس فرع اتحاد كتّاب القنيطرة د.أحمد علي محمد وعدد من أعضاء الاتحاد والمهتمين، وبمشاركة القاص والروائي علي المزعل والأديبة سوسن رجب وبمشاركة خاصة لأمين سرّ الاتحاد لفرع القنيطرة عزّ الدين سطاس، الذي أثنى على هذه الذكرى وأكد التزامنا بأفكارها وقيمها وعملنا على تجديد مسارها بمزيد من الزخم من خلال الإبداع واللحمة الوطنية وسيادة القانون وتطبيق معادلة الحقوق والواجبات. وتأتي هذه المشاركة ضمن خطة اتحاد كتّاب العرب في إثراء الحياة الثقافية التي تمثل في هذا الوقت العصيب ثقافة المقاومة وتوازي قوة السلاح وتؤازر بواسل الجيش العربي السوري. ومن المعروف أن فرع القنيطرة يقدم أنشطة متنوعة ضمن توءَمة القضية الفلسطينية والجولان ونجاحات حرب تشرين.
بدأت الأصبوحة بقراءة القاص علي المزعل قصتين تعبّران عن مساره الأدبي الملتزم بالقضايا الوطنية والقومية وبتصوير واقع أبناء الجولان الذين تفرقوا إثر الشتات مبحراً في التائهة بين آلام الفقد ومعاناة البعد ،وجنح بأسلوبه نحو الواقعية المباشرة في تجسيد ليالي المخيم المرعبة بين دوي القنابل وأزيز الرصاص أثناء الأزمة الحالية في قصة “لحظة هاربة” التي تدور أحداثها في ليلة واحدة في مخيم اليرموك وتتوقف عند مرارة الأسئلة والاحتمالات ،يختزل فيها السارد لعبة القنص التي حصدت أرواح الأبرياء حينما علا الصوت وسقط الفتى أمجد مضرجاً بدمائه على الرصيف بعد صلاة الفجر وقتما غادر المنزل على مرأى من أعين والديه ليحضر الخبز من الفرن ،لكن رصاصة القناص التي اخترقت قلبه كانت الأقرب إليه .”ارتطم جسدي بالأزقة لكن نبض قلبي قادني إلى الشارع”.
وفي قصة “عجوز الشرفة” يرنو إلى البعيد ويعود إلى واقع الحياة في المخيمات وإلى يوميات النازحين من عقود فكانت أكثر حزناً وكمداً ،فمزج بين زمني الماضي والحاضر، تدور أحداثها حول مساكن النازحين ذات النوافذ المتآكلة والشرفات المتدلية بحثاً عن الخلاص والجدران المكتظة بخطوط رسمتها سنوات الانتظار الطويلة ،ومع ذلك يحاول الجميع أن يجدوا مكاناً وأن يتحدوا ،وبالقرب من القبو الذي هو مكتب الإعاشة في المخيم حيث يتجمع أصحاب البطاقات الزرقاء ليأخذوا نصيبهم من الإعانات الشهرية، يلتقي ثلاثة مسنين وصفهم القاص بالعجائز يتحول لقاءَهم إلى نزيف داخلي لانكسارات دامية ويضيع صوتهم بين ثنايا نشيج متقطع ودموع لاتهدأ، تحملهم الذاكرة إلى موانئ بعيدة إلى اجتماعاتهم بسوق الجمعة في القنيطرة ،ومن ثم يصل إلى وصف البطاقات الزرقاء التي اهترأت من الانتظار لتنتهي القصة بتسليم ثلاثة شبان غرباء عن بعضهم ثلاث بطاقات متآكلة غاب أصحابها دون العودة.
في القسم الثاني من الأصبوحة تنقلنا سوسن رجب إلى أجواء مشهدية مسرحية بإلقائها التمثيلي لقصتها “ياشام” التي خضعت لتقنية التدوير، وغدت أشبه بمسرحية صغيرة تتتالى فيها المشاهد بأزمنة وأمكنة مختلفة ضمن إثراء لغوي وعبارات فائضة بالحب والوصف الغني بجمال دمشق عبْر رمزية مطلقة، إذ تعيش البطلة التي تومئ إلى دمشق قصة حب رومانسية ،يغيب عنها حبيبها فتشارف على الموت لنكتشف في النهاية أن الحبيب الغائب هو المغترب الذي عاد إلى أرض الوطن في هذه المحنة “في إثر شجرة الكينا ظلام ..أحد دروب دمشق ..يمران تحت شجرة الكينا ..تتعطف عليهما الأغصان ..تزقزق العصافير طرباً لمرورهما..”
وختم الأصبوحة الأديب عز الدين سطاس بخاطرة أشبه بنصّ مفتوح لخص فيه ملامح الأزمة متمنياً النصر المؤزر لسورية والرحمة لشهدائها.
“قهراً أقول قولي/والدمع في العين رقراق/يأبى أن يمتري/يا دمشق/مالشمس دأبها أن تختفي/من ديار ليلها لا ينجلي”
ملده شويكاني
