كويلو في إحدى عشرة دقيقة
تعالج بعض المجتمعات قضاياها الحسـٍاسة بالكتمان و الحظر، ومهما تبدّت النتائج سلبيـّةً جرّاء ذلك، نراها تستمرّ في ذات الأسلوب، هكذا مجتمعات مأخوذة بالعادات والتـّقاليد، حتـّى أصبح الكتمان عادةً من عاداتها، في مرحلة ما لا بدّ أن تحدث الخلخلة، قدّمت المفكـّرة نوال السـّعداوي دراسات عديدة تظهر نتائج مخيفة لما تعيشه مجتمعاتنا من كتمان وحظر في الأمور الجنسيـّة، كما قدّم مفكّرون كثر دراسات حول تأثير هذه النـاحية على الحدث الاجتماعي والوضع الأخلاقي والسيرورة التـّاريخيـّة، في أحد معارض الكتب الذي أقيم في بلد عربي، تمّ حظر كتب نوال السّعداوي بحجـّة أنـّها تتحدّث عن أمورٍ جنسيـّة، في ذات المعرض قدّمت كتب جنسية ذات أسلوب إثاري تجاري؟! باولو كويلو في روايته (إحدى عشرة دقيقة) يقدّم تجربة مأخوذة من الواقع يناقش من خلالها عمل البغاء في مجتمعات متحضـّرة (سويسرا) و يتناول هذه المهنة بطريقة واقعيـّة على ما هو عليه المجتمع السويسري والبرازيلي إذ إنّ بطلة الرّواية \ ماري \ برازيلية الأصل.
رواية كويلو هي رواية من بين آلاف الروايات والكتب البحثية التـّي تناولت هذا الشّأن في بلاد تعطي كلَّ مجالٍ حقـّهُ من الحركة، في بلادنا أيضاً كتب كثيرة حول الجنس منها العلمية والأدبيـّة ومنها التـّجاريـّة، والمفارقة أنّ الانتشار وإمكانيـّة الوصول هو للتجاريـّة منها، ذلك أنّ الكتب العلميـّة التي تتناول شأن الجسد تشكـّل تهديداً للقيم السـّائدة.
يأتي عمل كويلو بفنـّيـّة جميلة، لغة منسابة، أسلوب قصٍّ روائي مبسّط، لا يوجد تشعـّب في الأحداث فالكاتب يعتمد رحلة محددة بقارب محدّد، من خلال بطلة الرواية ماريا والتي تدفعها طموحاتها وأحلامها من سنّ اليفاعة إلى البحث عن سبل للسّفر واستكشاف العالم، وأهم ما ميـّز ماريا الجرأة وحبّ المعرفة والطـّموح وعدم التـّمسـّك بأفكار ثابتة، يشير كويلو إلى أنّ شخصيـّة ماريا مأخوذة من الواقع، عكس ما يفعله الروائيون الذين ينكرون أنّ أبطال أعمالهم من الواقع، بل إنّ كويلو يشرح كيف حادثها واستفسر عن تجربتها، ماريا مناسبة جداً لما أراده كويلو ولا بدّ أنّه أضاف وغيـّر بما تناسب مع رسالة روايته (تأليف كتاب يتناول النـاحية الجسديـّة) نيتشه يرى أنّ الجسد هو الأهمُّ، وإنّ أية فكرة إنـّما تمرّ أوّلاً عبر الجسد، وكويلو – وليس سبـّاقاً في هذا المجال، يرى أنّ الوصال الحسـّي هو نقطة جوهريـّة في حياة البشر، رجالاً ونساءً، شيباً وشباباً، تـتأثـّرُ حياة الإنسان بها وتؤثـّرُ، وحقيقةً نعلمُ أنّ جرائمَ تُرتكبُ وحروباً تـُشنّ، من أجل هذا الوصالِ، والذي حدّده كويلو زمنيـّاً بإحدى عشرة دقيقة، وآخرون بسبعة دقائق أو عشرة وغير ذلك، دقائق تتحكـّم بحياة أفرادٍ وشعوبٍ، وتؤثـّر على مجرى الحياةِ، حياة الإنسان والمجتمع والتاريخِ، جهاد النـّكاح الذي أفتى بهِ مزوِّروا الدّين في أحداث سورية الحاليـّة هو شكلٌ من أشكالِ تأثير الوصال الحسـّي في السـّياسة والدّين والمجتمع، رغم ذلك أجدني محرجاً عند ذكر كلمة (جنس) فمجتمعنا رغم أنـّه كغيره مأخوذٌ بهذه النـّاحية ورغم أنـّنا ،رجالاً ونساءً، نتكلـّمُ و نثرثرُ عن ذلك كثيراً، إلا أنـّه عندما يتعلـّق الأمرُ بكتابة مقالٍ أو ببحث علمي أو تنظيرٍ فلسفيٍّ، نجد أنفسنا محرجين من القولِ، ورغم أنـّي قرأت روايات غربيـّة وعربية تتكلم عن الجنس بطريقة إثاريـّة تجاريـّة، فأرى أنّ الخوض بهذه النـّاحية بطريقة علميـّة أو أدبيـّة فاعلة هو أمر عسير، لاعتباراتٍ دينية واجتماعيـّة وغيرها، إحدى عشرة دقيقة رواية جنسيـّة بامتياز، فلا شيء غير البطلة (لا أوضاع سياسيـّة، اجتماعيـّة، قانونيـّة، اقتصاديـّة، فكريـّة.. تنقلها الرِّواية بشكل مهمٍّ، ولا شيءَ يميـّزُ البطلة غير تجربتها الجنسيـّة، ولا حدثَ يبدو مهمـّاً أو مثيراً إلاّ من النـّاحية الجسديـّة، ولا خاتمة ذات إشباع في الرّواية، فأحداث الرّواية برمـّتها لا تـُشبع قصـّة قصيرة، ولكن ما يميـّز الرواية هو الـتـّناول الموضوعي لإحساس المرأة الجسدي وهواجسها والتـّأثير النـّفسي لذلك، وما تبـقـّى يبدو غير مهمٍّ، وثانوي، ويتركز ذلك فيما ذكره الكاتب عن السـّادومازوشيـّة من صفحة \ 173 – 176 \ كما نجد مقالات حول الحبّ والعاطفة ذات أثر مؤثـّر في بداية الرّواية. كويلو في إحدى عشرة دقيقة يقدّم تجربة إنسانيـّة البغي في المجتمع الغربي، سيدهش القارئ الجمعي كلمة \بغي \ مع كلمة \ إنساني\ ذلك أن ربط الشـّرف والإنسانية لدينا يتركـّز أوّلاً بالانغلاق الجنسيّ، نحن نحتاج أن نعطي الشـّعور الإنساني حقـّه وعدم المبالغة في الإجلال أو في التـّدنيس.
قيس محمـّد حسين