ماليّون يرون في استمرار ضخ القطع الأجنبي ضرباً لمكامن قوّة المضاربين تباعد فترات تدخّل “المركزي” وزيادة الطلب رفعا سعر صرف الدولار إلى 210 ليرات
دمشق – سامر حلاس:
تحرك الدولار بشكل مفاجئ متجاوزاً حاجز 210 ليرات بعد أن تراجع من المستوى ذاته إلى 196 مطلع الأسبوع الفائت، ثم عاد إلى حدود 212 ليرة على مدى يومين، مع ملاحظة تسجيل تراجع بمقدار ليرتين أمس، ناتجة عن عمليات مضاربة تتحكم بدولار السوق السوداء، أجبرت بدورها المصرف المركزي على تحديد سعر صرف الدولار مقابل الليرة بـ 191.27 ليرة كسعر وسطي للمصارف و191.45 ليرة كسعر وسطي لمؤسسات الصرافة، بمقدار ثلاث ليرات خلال خمسة أيام.
ووصف محللون ماليون تسعيرة دولار “السوداء” بالوهمية والمبالغ فيها، لكونها ناتجة عن تداولات في السوق غير النظامية لجني الأرباح، وأن الانخفاض إلى 200 ليرة منذ عدة أيام كان بسبب إعلان “المركزي” تدخله عبر ضخّ 50 مليون دولار لمؤسسات الصرافة و100 مليون دولار لتمويل الواردات، إلا أن النشاط الكبير في سوق “الفوركس” حَجّم إلى حدّ ما تدخل “المركزي”، حسب تعبير خبير مصرفي في تصريح لـ”البعث”.
ظرف ملائم
واعتمد المضاربون في رفع السعر بشكل تدريجي وحذر بشكل يومي، على استكشاف مدى استجابة السوق لرفع سعر صرف الدولار؛ وعدم تجاوب السلطات النقدية معه، دفع المضاربين إلى الاستمرار برفعه بشكل أكبر يوفر إمكانية جني أرباح بنسب مهمة لكبار المتعاملين في السوق، فمن اشترى قرب 190 ليرة وباع عند 210 ربح 9.5% على رأسماله، بواقع 20 ليرة في كل دولار، أما شركات الصرافة فتربح من فارق سعر شرائها للدولار وبيعها له، ونلاحظ هنا أن تدخل المصرف حينها لم يؤدّ إلى تقوية سعر صرف الليرة مقابل الدولار رغم تحسن الظروف الأمنية والاقتصادية ما دامت هناك قوى أخرى في السوق تمانع عملية تحسين قيمة الليرة مقابل الدولار، وإن هذه الممانعة تستمر حتى يحين ظرف سياسي أو اقتصادي سيئ لتعاود الهجوم على الليرة ما يؤدّي إلى انخفاض جديد في قيمتها.
ويرى الخبير المالي جورج قرم ضرورة مباغتة تلك القوى المناهضة للتحسن في السوق بالتدخل عبر ضخ الدولار لتقوية الليرة عندما تكون هناك لحظات تفاؤل سياسية في الجو العام في البلد كحل لمواجهة من يعمل على تخفيض قيمة العملة الوطنية بشكل مقصود، ويقول: إن القضاء على الحلقة التضخّمية لا بد أن يتم عبر تقوية سعر صرف الليرة عندما تكون الظروف السياسية والنفسانية مشجّعة على ذلك.
تخفيف الضغط
وبالتالي، كان على السلطات النقدية التحرك لضبط السوق في فترات الاستقرار وليس عند ذروة نشاط المضاربات، وذلك لإجهاض مكامن القوة في السوق السوداء، ولتخفيف الضغط على الليرة السورية، مع ضخ الدولار لمن يريد عبر القنوات الرسمية ومنافذ “المركزي”.
ولأننا مازلنا نملك آليات تدخل الدولة التي لم يتم إبعادها عن كل المجالات وهي الأكثر كفاءة في ظروف الحرب، وإن سلّمنا جدلاً أننا مضطرون لقبول آليات السوق التي تحدّد أداة تدخل المصرف المركزي الرئيسية في هذه الظروف ببيع الدولار للصرافين لمواجهة تدهور قيمة الليرة، فعلينا كما يرى جورج قرم، كأضعف الإيمان، أن نتدخل في الظروف الاقتصادية والسياسية الأمثل وإلا فسنفشل في التدخل.
ويعتبر خبراء الاقتصاد أن جميع العوامل الاقتصادية الراهنة مشجّعة، ويفترض على “المركزي” الاستفادة منها لدعم استقرار سعر صرف الليرة، كارتفاع معدل التصدير إلى 2 مليار دولار منذ بداية العام، وتصريحات وزير الاقتصاد بأن عام 2014 سيشهد نمواً اقتصادياً موجباً للمرة الأولى خلال الأزمة مقارنة مع العام الماضي، وعودة الإنتاج في العديد من المدن الصناعية؛ وكان حاكم المصرف أديب ميالة قد شدّد خلال جلسة تدخل نوعية بحضور ممثلين عن مؤسسات الصرافة المرخصة لمناقشة آخر مستجدات تطوّر سعر صرف الليرة السورية، على أن استقرار سعر الصرف هو الهدف الرئيس الذي يسعى المصرف إلى الحفاظ عليه.
آليات السوق
ورغم الظروف الاقتصادية والأمنية المطمئنة، حصل عكس ما كان متوقعاً، وتراجع سعر الصرف نتيجة تغيّب السلطات النقدية والمالية فعلياً عن الأسواق، لتستغلها القوى الممانعة لتحسن سعر الصرف لجني المزيد من الأرباح، وفي مسعى واضح لا شك فيه، إلى تحقيق تدهور ملموس في قيمة العملة الوطنية.
لم يكن المصرف المركزي مضطراً للخضوع لآليات السوق السوداء المحررة، ما دمنا نعيش ظروف الحرب التي تتحدث عنها الحكومة، لكن خضوع المركزي لهذه الآليات ساهم في تراجع قيمة الليرة السورية -إحدى رموز السيادة– أو ربما نتيجة جهل ظاهر بآليات سوق يلتزم بها “المركزي” وهو غير مجبر على العمل بها، لأن الظروف مختلفة كلياً عن مرحلة الاستقرار.