محليات

ترشيد التقشف!

(العقلنة في ترشيد التقشف) ثلاث كلمات يتوسطها حرف جرّ تختزل الكثير من الدراسات الاقتصادية الباحثة عن حل أو بصيص أمل للمواطن (الحي الميت)، وأفرغت ما في جعبة الكثير من الجهات المعنية ورسمت توجّهاتها نحو “اللا قرار”، وبيّنت مدى تخبّطها في مشروعها الكبير الذي عنونته منذ فترة بعقلنة الدعم، ويجب هنا تأكيد أن هذه المعادلة المعيشية المختصرة ليست نتاج الرؤوس الاقتصادية المفكرة أو تحليلاتهم العابثة في أوراق التخلي عن الحقائق والوقائع المؤلمة التي باتت الأكثر انتشاراً وسيطرة على الشارع بأذرع الفقر والحاجة، بل هي خلاصة الواقع الذي بات بيومياته المفجعة “كعصّة القبر”، فعلى مدار الساعة هناك المزيد من الشواهد الناطقة بالأزمات والنابضة بالفساد والاستثمار، في حين تتوالى القرارات وتتصارع الإجراءات على المصلحة العامة التي دفنت تحت أنقاض الأحداث.
وعلى الرغم من الحرص على تحييد عملنا عن صيغة “النبش في القبور”، إلا أننا لا نستطيع تجاهل ما يعانيه الناس أو القفز فوق معاناتهم في ماراثون الوجه الآخر، ولن نستطيع أيضاً إلا التأكيد أن عصمة الحقيقة التي تمثلها عبارة (العقلنة في ترشيد التقشف ) بمعادلتها الحياتية، شكّلت ردّاً من الشارع السوري على تلك الكلمات والمعادلات المعيشية التي تطلق بين الفينة والأخرى من المنابر المسؤولة التي تثبت مطالبتها بشدّ الأحزمة المعيشية وترشيد الإنفاق المالي، أنها باتت أكثر ابتعاداً عن حقائقه المعيشية الغارقة في كهوف الأزمات التي لا تنتهي.
وللأسف بعد متابعة بعض مخرجات المكاتب المعنية التي تكون بصيغة المبني للمجهول وبقوالب وحقائق مقلوبة، نستطيع القول: إنه حتى هذه اللحظة لم تقرأ قضايا الناس بموضوعية المصداقية التي باتت المطلب الأكثر إلحاحاً في هذه المحنة، وخاصة أن الإجراءات المتخذة لم تستهدف بعد عمق مشكلات الناس وهمومهم، والدلائل على ذلك واضحة وحاضرة في كل شارع وسوق ومؤسسة وعند كل عملية توزيع للمازوت والغاز وغيرها من العمليات التي تؤطّرها القوانين والأنظمة وتحكمها الممارسات الفردية المشبوهة والمخالفات المسؤولة ببصمات (الموقع والصفة الاعتبارية).
ومن بين الحقائق الدامغة التي لا يمكن لأحد تغييبها أو العبث بتفاصيلها تلك التي تقول: إن استرداد ثقة الناس بالأيام القادمة وإعادة الكثير من الاحتياجات المفقودة إلى بيوتهم الخاوية حتى من الأحلام التي جرّها تجار الأزمات، وما أكثرهم، إلى أسواق سوداء عامرة بالابتزاز والفساد والاستغلال، لن يكون إلا من خلال إيقاظ المحاسبة والمساءلة من سباتهما وتفعيل وجودهما في الملفات الحياتية والخدمية التي تلفظ أنفاسها الأخيرة في غياب الحلول.
بشير فرزان