رغم أن مؤسسات التدخل الإيجابي تفتقد آليات عمل تنافس الخاص مصادر تكشف لـ”البعث” عن مسوّدة مشروع لإعطائها مرونة وصلاحيات أكبر لا تزال حبيسة الأدراج منذ سنوات
كشفت مصادر مطلعة في وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية عن مشروع مرسوم يعطي مرونة لمؤسسات التدخل الإيجابي ويمنحها صلاحيات جديدة، وذلك ضمن إطار تفعيل عملها وفق التطورات الاقتصادية الراهنة وتحرير التجارة الخارجية والمنافسة، على اعتبار أن هذه مؤسسات لا تزال تؤدي دورها الاقتصادي والاجتماعي والخدمي من خلال خبرتها على مدى سنوات طويلة، وفي ظل توجه اقتصادي واكب مرحلة سابقة.
كما أظهرت الرحلة الحالية الحاجة المتزايدة إلى هذه المؤسسات بحيث تنسجم مع عملية التطوير والتحديث للاقتصاد الوطني عبر مشاركة حقيقية من القطاع الخاص في توفير السلع والخدمات بالمواصفات الجيدة والأسعار المناسبة، ما يعكس ضرورة وجود المرونة اللازمة لعملها في إطار تدخلها الإيجابي بالأسواق، إلى جانب إعطائها الدفع اللازم لتتمكن من المنافسة في السوق وتحقيق الريعية الاقتصادية المطلوبة تنفيذاً لخططها في ممارسة أعمالها من خلال تكاملها في العمل التجاري.
ماراثون..!
وأوضحت المصادر لـ”البعث” أن مسوّدة المشروع دخلت قبل فصل وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية عن وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، في ماراثون الدراسة بين عدة جهات، الذي استغرق سنوات عدة لتقبع بالنهاية في أدراج الأولى وتصبح من المنسيات، وخاصة بعد أن أصبحت تبعية هذه المؤسسات للثانية التي بدورها لم تحرك ساكناً بهذا الخصوص.
صلاحيات
وبيّنت المصادر أن مسوّدة المشروع تتضمن أن تمارس هذه المؤسسات الأعمال التجارية بكل أنواعها للمواد المسموح بها (جملة – نصف جملة – مفرق) والاستيراد والتصدير والتوزيع داخل القطر وخارجه، وتقوم بتأمين المواد والسلع من كل المصادر المتاحة داخلياً وخارجياً لحسابها مباشرة أو بالعمولة لحساب الغير، وتأمين احتياجاتها وفقاً لأحكام نظام العقود الصادرة بالقانون 51 لعام 2004، إضافة إلى بيع وتوزيع وتسويق المواد التي تتعامل بها لحسابها مباشرة أو بالعمولة لحساب الغير، واستيراد وتصدير المواد والسلع التي تتعامل بها مباشرة، وتمويل مستورداتها إما بشراء القطع الأجنبي من مصارف الدولة أو عن طريق التمويل من المصارف الخاصة العاملة في القطر، والعمل كوكيل تجاري للمنتجين المحليين والأجانب والمستوردين والبيوتات التجارية (محلية – خارجية)، والتعاقد مع وكلاء لها ومعتمدين داخل وخارج القطر لبيع وتوزيع المواد والسلع التي تتعامل بها مقابل عمولة محدّدة، إلى جانب تلبية احتياجات الجهات العامة وفق الطرق التجارية والمواصفات المطلوبة، وافتتاح مواقع عمل تجارية بما فيها المستودعات ووحدات التبريد أو إغلاقها حسبما تقتضيه المصلحة الاقتصادية للمؤسسة، واعتماد أساليب ووسائل ترويجية لزيادة مبيعاتها وتصريف ما لديها من مخازين بإقامة معارض وأسواق شعبية أو مزادات علنية، والاستفادة الاقتصادية من شهرتها التجارية في حدود علاقاتها التجارية.
قوة ولكن..!
رغم امتلاك اقتصادنا الوطني أوراقاً رابحة تجعله أكثر قوة ومناورة لتجاوز هذه المرحلة، مقارنة مع ما مرّ به من حصار خانق خلال فترة الثمانينيات، إلا أن المفارقة الأبرز التي قصمت ظهر المستهلك خلال هذه الأزمة هي الغياب الواضح لمؤسسات التدخل الإيجابي التي كان لها دور ساهم بشكل كبير في تخفيف وطأة حصار الثمانينيات، حيث شدّت من أواصر النهج الاقتصادي آنذاك المتمثل باتباع سياسة التقشف والاعتماد على الذات، وقد تراجع دور هذه المؤسسات مع انتهاجنا التحول نحو اقتصاد السوق الاجتماعي، دون النظر بتعديل مهامها وإعطائها المرونة الكافية بحيث تتوافق مع متطلبات المرحلة، ما أفسح المجال للقطاع الخاص لبسط سيطرته على السوق المحلية، وظهور حالات الاحتكار وما نجم عنها من ارتفاعات جنونية للأسعار، وبالتالي لابد من إعادة النظر بشكل فوري في آليات عملها كي تنافس نظيراتها الخاصة.
وهنا تعلق مصادرنا على عمل هذه المؤسسات بالقول: إن مؤسسات التجارة الداخلية مقيدة الحركة في ظل مراسيم إحداثها الحالية، إضافة إلى أنظمة العمليات لديها والإطار القانوني العام الذي يحكم تأسيسها ونشاطها، ومتابعة عملها والذي لم يعد يتماشى مع ما هو مطلوب منها في مرحلة الانتقال إلى اقتصاد السوق الاجتماعي، ويجب التفكير جدياً بآلية جديدة في عملها تعطيها الحرية والمرونة الكاملتين لتحقيق مهامها وتنفيذ خططها، ومحاسبتها في نهاية كل دورة مالية على الربح والخسارة، وخاصة أنه مطلوب منها المحافظة على وضع عمالها اجتماعياً.
معالجة الخلل
لاشك أن عملية الانتقال من مرحلة اقتصادية إلى أخرى في أي دولة من دول العالم سيرافقها خلل اقتصادي، والسيطرة على هذا الخلل ومعالجته تتوقف على مقدرة الدولة على التدخل الإيجابي لمصلحة المواطن، مع الإشارة إلى أن الأسس اللازمة للانتقال إلى اقتصاد السوق لم تكن مهيّأة لذلك، فتحرير التجارة الخارجية سمح لعدد محدود من التجار بالتحكم بعدد من السلع الأساسية وفق مقتضيات مصالحهم الشخصية، علماً أن هذه المرحلة المترافقة مع أزمة خانقة تقتضي أن يقوم القطاع العام بعمليات استيراد وتأمين المواد الأساسية، من خلال تفعيل المؤسسات التابعة لوزارة الاقتصاد، سواء من ناحية رصد الاعتمادات اللازمة، أم من ناحية إعادة الهيكلة ورفدها بكوادر بشرية قادرة على التعامل مع المتغيرات الراهنة.
دمشق – حسن النابلسي