من سينتفع بـ أردوغان؟!
يتأكد يوماً بعد يوم على المستويات المحلية في تركيا، والإقليمية، والدولية أن أردوغان رجلٌ مؤذٍ، وهو يمضي في مسار ضار بشعوب المنطقة ودولها كافة. ومع الاعتراف بالنجاحات التي حقّقها حزبه على عدة مستويات منذ وصوله إلى السلطة عام 2002 إلا أنّ هذه النجاحات يبدو أنها مؤقتة، فها هي تقوّض المجتمع التركي، وتهدد الأمن والاستقرار في المنطقة.
ولا يمكن النظر إلى المكاسب الاقتصادية التي تحقّقها حكومته في بعض أوجه التعاون مع روسيا أو العراق أو إيران على أنها نهاية المطاف. فلن يكون مسار المجلس الأعلى للتعاون التركي مع إيران أو روسيا أو العراق في مستقبل الأيام أفضل من المسار الذي مضى فيه هذا المجلس مع الجمهورية العربية السورية.
فالرجل ليس عقائدياً صرِفاً، ولا براغماتياً مرِناً، ولا انتهازياً خفيف الظلّ، بقدر ما هو – كما بات يظهر بوضوح – حاقد ينقلب على وعوده ويتنكر لصداقاته المزعومة بغدر، ويتضح هذا بقوة من بعض مايلي:
– يستمر الرجل في العمل على تقويض أسس الجمهورية التركية الأتاتوركية العلمانية، ويعمل على عثمانية جديدة بغيضة تثير أحقاد الماضي وخلافاته مع الفرس والعرب والكرد والأرمن و… فقد صرّح منذ أيام في افتتاح إحدى المدارس الدينية في أنقرة: إن أهم إصلاحات حكومته تمثّل في الزيادة الحادة في التعليم الديني، وإن نحو مليون طالب منتسبون إلى مدارس «الإمام الخطيب»، وكان الرقم قبل حكمه 65 ألفاً، هذا بالرغم من شكوى الأهالي واعتراضاتهم المتكررة على مناهج مدارس الفقه.
– من جهة ثانية فهو ضد الإسلام المعتدل، والمستنير أيضاً. فلا أحد يستطيع أن ينكر أنه إخواني من جهة، ويدعم الجهاديين والتكفيريين والإرهاب من جهة ثانية، ومن جهة ثالثة فلا تُنسى تصريحات نجم الدين أربكان رئيس الحكومة التركية الأسبق إلى صحيفة «تودي زمان» حين أسهب في توضيح أن :«أردوغان أداة بيد المؤامرة الصهيونية، ووصول حزبه إلى السلطة حصل بمساعدة من الحركة اليهودية العالمية، ومقاطعته لبيريز في مؤتمر دافوس اقترنت بأوسع تعاون مع الكيان الصهيوني».
– على الرغم من عمالته للأمريكان فقد دفعه عصابه إلى إهانة الإدارة الأمريكية عقب زيارة نائب الرئيس الأسبوع الماضي، فوصف السياسة الأمريكية بالوقحة، هذا الانفعال لفت أنظار العالم أجمع الذي يتابع مظاهر الغضب والهستيريا التي تعتريه ضد مجلس الأمن والأمم المتحدة والولايات المتحدة والمعارضة التركية و… إلخ.
– يرى المتابعون ومراكز الدراسات والأبحاث حتى التركية منها أن الرجل يمضي في مسار حاقد على سورية ومصر ليس انطلاقاً فقط من حكومتيهما الراهنتين، بل من سياق تاريخي يرتبط بأن الدولتين أهم حامل للمشروع القومي العربي الذي يعمل أردوغان بحقد على تحطيمه لإحياء عثمانية جديدة بغيضة، ويرى هؤلاء أن الرجل يتعامى عن ازدياد أعداد مساجينه من جهة، وازدياد حالات الفساد التي طالته وطالت أولاده ووزراءه من جهة ثانية.
– يبدو أن الرجل يتجه ليكون خارج الزمن، وخارج السرب الدولي في كل شيء، فعلى الرغم من وضوح القرارين الأممين 2170 – 2178، وردّ الولايات المتحدة لمقترحه، ونقض دول الجوار لرؤيته فهو لا يدعم الإخوان بل هو منهم وفيهم، بينما لا شك يدعم داعش، وثبت دعمه لمسلحي ليبيا، وفي الأسبوع الماضي اجتمع في غازي عنتاب مع أبرز 100 ممثل للجماعات الإرهابية التكفيرية في سورية، وطالبها بتصفية أتباع السعودية؟!!
– لا شك في أن بيان وزارة الخارجية المصرية أمس أصاب مقتلاً في شخصية أردوغان وفي حكومته بتركيز البيان على الحقائق التالية: استمرار أكاذيب الرجل – تصريحاته الهوجاء – سلوكه الأرعن والعيش في أوهام – ارتباط مواقفه الشخصية بنظرته الإيديولوجية الضيّقة.
– ومن المؤكد أن الأيام المقبلة لن ترحم هكذا رجل، فالنجاح المرتبط بالانتهازية لا يستمر أبداً حين يقترن بالحقد واللؤم، فقد أضحت تركيا معه بلداً لتصفية وتمرير صفقات التناقضات الإقليمية والدولية، وهذا مايعيد استراتيجياً تركيا ثانية إلى «الرجل المريض». وسنرى العام القادم الذي يصادف مرور مئة عام على إبادة الأرمن.
< إن المراوغة بين الاقتصاد والسياسة التي تحقق لتركيا معه نجاحاً اقتصادياً مرحلياً ليست نهاية المطاف. وإن القدرة على المتاجرة بدماء الشعوب، وتناقضات المصالح الإقليمية استراتيجية خبيثة. وإن رهانه على أن العرب في أسوأ حالاتهم واقتناصه ذلك على أنه فرصة تاريخية «العمق الاستراتيجي لداوود أوغلو» لن ينجح، فالمشروع العروبي حيٌّ في وجدان الشعب العربي، وهو إن كان في مرحلة كمون فلن يموت، وكذلك مشاريع الأقوام الحيّة الأخرى في المنطقة التي ترى أن لا أحد أبداً سينتفع بأردوغان.
د. عبد اللطيف عمران