ثقافة

“عندما يغنّي الألم” اعترافات أنثى في مواجهة الزمن

“عندما يغنّي الألم” حكايات أنثى تعترف أمام المرآة بخسارتها وتستعرض أحلامها المتكسرة المتناثرة على أرض الواقع مثل شظايا المرآة المهشمة، ليبقى الزمن كما وصفته الكاتبة -“عدو المرأة وشاهد على كل شيء”-،وتختزل المجموعة عبْر صفحاتها الحلم المفقود الضائع بين دهاليز الصمت وغياب الزمن التائه في سراديب خفية داخل شرفات الحزن وخلف النافذة، يعيش بداخل الأنثى المشغوفة بالحب والجمال والحياة، لكنها في زمن ما تواجه الحقيقة فقط دون أن تبحث عن حلول تبعدها عن رصيف الذاكرة والوهن، كما كتبت في مقدمة قصة “امرأة من بازل” الجسر بين ضفتي

“الحياة والموت/هو جسر صامت/اسمه التعب”
وجنحت الكاتبة كغيرها من الكتّاب الحديثين إلى الحداثة السردية بإدخال نصوص مفتوحة توظّفها لإثراء القصة من الناحية الفنية، كما في قصة “نزل الشتي”
“أنت/سنوّنوة القلب/الموشاة بالغياب/العابرة أبداً/في نبضي/تندلعين/من صباحات فراشات”
وتعتمد على ضمير المتكلم، ليأخذ المضمون الإنساني الأولوية، فالكاتبة ابتعدت عن الالتزام التقليدي بمقومات القصة وتقنياتها الفنية من حيث نسج المفردات المنمقة والصور البلاغية والقفلة المدهشة التي تغيّر مسار القصة أحياناً، ونجحت في شدّ القارئ نحو اللحن الحزين المترع بالألم والفقد والغارق باليأس المنبعث من داخل الأنثى المحطمة إثر تبعات الزمن، لتنسحب على كثيرات، وهنا تأرجحت المجموعة بين الرفض والقبول فهناك كثيرات يقاومن الزمن بخيالهن ويرفضن الاستسلام لمشاعر القهر، وفي المقابل تقع كثيرات في فخ الزمن الذي يحكم قبضته عليهن.
تميّزت المجموعة في وسطها بتقنية التدوير فعملت على مسرحة القصة “البيدق” وعرضها على شكل مشاهد متتابعة مرقمة، وتمكّنت من التقاط الحالة النفسية للأنثى وتحويلها بعدستها إلى صورة بصرية يتخيلها القارئ مباشرة، لاسيما حينما جعلت المكان بطلاً يساند البطلة في بوحها فغدت أنشودة دمشق بكل مساجدها ومآذنها ومنازلها تصغي إلى بطلة القصة التي تعيش وحدة داخلية “الكآبة تتمدد في داخلي كالسوائل والوقت يتربصني بعينين شاخصتين، يتهمني بأنني أنا من خذلني”، وتشرك أيضاً النافذة بهواجسها وبانتظاراتها اللامحدودة وتشهد على أحزانها أيضاً ساحة الأمويين الغاصة بالسيارات والمارة، لكن المشهد الرائع رقم 3 وقد وصفت فيه الناس الذين يلتجئون إلى المقاهي لينفثوا عبْر دخان النارجيلة أشياء ترهقهم، وهي منهم تنفث مع الدخان وجعاً وعبثاً والأهم أنها تنفث وقتاً، ومن خلال هذا المشهد تستعرض على المرآة خصلات الشعر البيضاء التي تسربت إلى شعرها الأسود وبعض الخطوط الدقيقة التي امتدت على وجهها وهي تفكر بالاحتيال على الزمن ووصفته بقولها “الترميم، ترميم الموروث والطبيعي والعارض” .ونجد أيضاً أن الكاتبة نوّعت بقصصها فأدرجت أحداث بعضها في المدينة ودارت حول قصة حب مستحيل بين امرأة متزوجة ورجل يتعب من الانتظار كما في قصة ” خوف أقوى من الرغبة ” لتستسلم المرأة في النهاية إلى رابط أقوى من الحب إلى واقعها وإلى حياتها الأسرية وأولادها وتمضي عمرها مع رجل لاتحبه، بينما انطلقت في قصة ثانية نحو القرية كما في قصة “العار” وسنابل القمح في الحقول الواسعة التي تشهد على محاولة اغتصاب مسعود خطيبته التي وقعت ضحية ظلم الأستاذ مسعود فلاكتها الألسنة، وبعد زواجها حوّلها مسعود إلى سجينة، وهنا غيّرت الكاتبة مسارها الدرامي لتصبح بطلتها قوية قادرة على المواجهة والهروب، لكن إلى المجهول “تجوس بعينيها الأرض والسماء، شيء غامض يغمز لها بعينيه أين تمضي؟ وتتسع الطريق” في المجموعة قصص جميلة أيضاً مثل قصة “امرأة من بازل” تحكي عن معاناة امرأة بلغت الستين ومازالت تصطحب حقيبة طلاء الأظافر وتذهب لتجميل نساء المدينة، لكنها في المساء رغماً عنها تستعرض حياتها التي تلوت بين انكسار وآخر لتتوقف كما أنهت الكاتبة القصة عند “أحلام لاتصرفها الحياة” وبقيت صفحات المجموعة البالغة (125) صفحة غارقة بهموم المرأة وخطوط الحياة الاجتماعية الشائكة، وبقيت دمشق تصارع الأزمة بكل قوتها بإيماءة خفية من الكاتبة دوّنتها في مقدمة قصة “طائر الليل الذي يؤرق أحلامي”
“وهذا الزمن الراكض/في الدم والخراب/أما آن له أن يتوقف”
ملده شويكاني