الأساليب غير التقليدية
تختلف الآراء حول سياسات مصرف سورية المركزي بين مؤكدين أن هذه السياسات وراء تراجع سعر صرف الليرة، وجازمين أنها حمت الليرة من تدهور مريع وكارثي كما حدث لليرة اللبنانية إبان الحرب الأهلية حيث وصلت في بعض السنوات إلى سعر تجاوز ثلاثة آلاف ليرة أمام الدولار!.
ومهما كانت الحقيقة بين المؤكدين والجازمين أو ما بينهما، فإن ما استوقفنا إعلان المصرف المركزي قراره غير المسبوق “التدخل المكثف في سوق القطع من خلال اتخاذ حزمة من الإجراءات غير التقليدية بهدف ضبط التقلبات غير المرغوبة في سعر الصرف والحدّ من الفوضى في عمليات التسعير وتفويت الفرصة على المتلاعبين وتكبيدهم خسائر كبيرة”!.
لم نعرف ما المقصود بمصطلح “الأساليب غير التقليدية” للتدخل في سوق القطع، ولم يتبرّع أي محلل اقتصادي بشرح هذا المصطلح!.
ما عرفناه حتى الآن أن الأساليب غير التقليدية ستتيح “ضخ القطع الأجنبي في السوق الموازية بكميات كبيرة وبأسعار منافسة”.
حسناً، ماذا حدث بعد ثلاثة أشهر تقريباً على هذا التدخل غير التقليدي؟
الوقائع تقول: لم تنفع هذه الأساليب غير التقليدية في الحدّ من تراجع جديد لسعر صرف الليرة أمام الدولار في السوق السوداء، ولم تلحق هذه الأساليب غير “المعلنة” أي خسائر كبيرة بالمتلاعبين!.
لو رصدنا عملية تراجع سعر صرف الليرة لاكتشفنا بسهولة أن التجار يمارسون سياسة مرنة تقضي بالقضم التدريجي لسعر صرفها، فهم يعملون بين شهر وآخر على خفض الليرة بشكل مفاجئ وغير متوقع بما يتجاوز عشر ليرات أمام الدولار، فيضطر المصرف المركزي للتدخل التقليدي بضخ ملايين الدولارات لتثبيت سعر صرف لليرة أقل من سعر التجار لكنه أعلى من السعر القديم!.
لاحظوا أن سعر صرف الليرة الرسمي أمام الدولار المعتمد من المصرف المركزي على مدى السنوات الثلاث الماضية ينخفض ولا يرتفع، من 47 ليرة إلى حدود 193 ليرة حالياً!.
ماذا يعني هذا الكلام؟
عدنا إلى الخلاف الجذري بين مؤكد أن سياسات المصرف سبب الانخفاض بسعر صرف الليرة، وجازم أنه لولا هذه السياسات لكنا أمام سعر صرف بالآلاف!.
رأينا الخاص: على المصرف المركزي أن يحدّد سعراً واقعياً ثابتاً لصرف الليرة أمام الدولار ويتبع سياسات تقليدية فعّالة تُرغم “حيتان المال” على الالتزام بهذا السعر طوعاً وإلا تعرّضوا لخسائر جسيمة، والتجارب القريبة منا تثبت نجاح وفعالية هذه السياسات التقليدية الصرفة!.
علي عبود