مفخخات إلكترونية..؟!
أدواتها الجاهزة لسان مزوّد بمبراة، وعدّتها القائمة شخصية تتمتّع بقدرة على الإقناع والتأثير في أوساط شريحة لديها البيئة الخصبة لتلقف الجديد، حتى لو كان مسيئاً وخطراً تحت بند المعاصرة والمسايرة لكل فنون وفصول الموضة والرائج وصرعات السوق الدارج؟!.
إنه التسويق الإلكتروني الذي يكتسح أدمغة الشباب ويهيمن على حياتهم اليومية كسرطان حقيقي، لدرجة أن آلاف الشباب المدرسي والجامعي يقعون ضحية أوهام ما يسمّى التجارة الشبكية التي تعدّ وفق ما ينتهجه مروّجوها نشاطاً مضللاً يقوم على التغرير بالمواطن وإيهامه بالمكاسب الخلبية التي لا تمت إلى الواقع بصلة، ولاسيما إذا عرفنا أن هذا التسويق لا يقوم على سلع أو منتجات محدّدة من أصله؟!.
فأساس عمل بعض الشركات الدولية تصيّد الشباب عبر شبكات تابعة لها أو مجنّدة لمصلحتها، وجذب المسوّقين تحت مظلة مروّج معيّن، والغاية ليست السلع بل المال مقابل تجميع زبائن جدد، وكلما تمّ تأمين اثنين هناك عمولة للسمسار، أو ما يمكن نعته محلياً بالدلاّل الذي يزرع أفخاخه عند محيطه ويقدم نفسه على أنه مثال يُحتذى وهو الذي حصل على منتج ليس بتسديد ثمنه بل بطريقة الاشتراك، ثم يبدأ المتاجرة عبر جلب الزبائن والشراء ويحسب للمروّج نقاط إقناع في كل مرة وعند كل شخصين تصرف عمولة أو كومسيون؟!.
لا أغفل أن عملية استيعابي للفكرة وطريقة العمل بها أخذت وقتاً ليس لصعوبتها بل لتحفظ من يقوم بها على الشرح لمن ليس من جيل المراهقين، ومع أن رائحة التلاعب والكذب والرياء والنصب واضحة تماماً، إلا أن المدمنين يصرّون على أن من يرفضها يعدّ “متخلفاً” تقنياً وغير قادر على مواكبة الحداثة، ولا يمنع من اتهامه بالجمود والدماغ السميك، ولاشك أنه بمجرد محاولة توعية المتورّط والمتعاطي وإخراجه من مستنقعه، تجد نفسك أمام دوامة ومحاججة صورية لا جدوى منها وكأنك أمام حشاش أو مدمن مخدرات مهووس؟!.
عند متابعة أخبار زبائن “التسويق الشبكي” تجد قصصاً مأسوفاً على أبطالها وهم فتية انجروا عبر أناس ورفاق لديهم من الخبث والدهاء الكثير، وهم يمتلكون فماً يقطر سمّاً يراه الضحايا دسماً لن يجلب لهم سوى الغنى السريع والفاحش الذي يخرجهم من الحاجة والفقر كما يدّعون ويتوهمون، ومجريات الأزمة كفيلة بتقديم بيئة جاهزة لرواج واستفحال هذه الصرعة التي سبّبت فشل الكثير من الجامعيين وطلبة المدارس، عدا تعريض الأهل لخسائر وضياع أموال باهظة في طريق الحلم غير المشروع وسراب لا يجلب سوى الدمار، والمفعول هنا لا يبتعد كثيراً عن التعاطي القاتل للمخدرات والسموم النباتية الأخرى؟!.
في تقصي الشركات الحاضنة والناشطة في هذا المضمار، نكتشف أن لندن هي المقر الأكثر شهرة في هذه التجارة المشبوهة وتجني مرابح هائلة من شركات عالمية تعلن لديها، والمطلوب تصفحها من الزبائن المتورطين بكذبة التسويق الإلكتروني، وفي سورية ثمّة شركات تنشط بعضها مرخص بلبوس الدعاية والترويج والخدمات الإعلامية والتسويق المخادع، وبعضها يعمل عبر سوق افتراضية كذابة اكتُشف وضبط جزء منها وسُحبت تراخيصها والباقيات تعيث في المجتمع فساداً، إلا أن ما يجري الآن يعطي مؤشرات أن الرواج والنشاط على أشدّه، فهل نتحرّك لإنقاذ الشباب من ألغام وأفخاخ ومفخخات الشبكة القاتلة؟!.
علي بلال قاسم