ثقافة

العين ما لها و ما عليها

العين مرآة الروح، والعيون مرآة الكلام، فالحقيقة في العيون، والعيون لغة الاتصال غير اللفظي، فعندمـا تتخاطب العيون تكون أبلغ من أي كلام. إذن العيون نوافذ إلى الروح والجســد، كما أن العين بريد القلب، ونافذة إلى داخل المرء ودخيلته، كما هي نافذة للمرء ينظر منها إلى الخارج، إنها المسؤولة عن حاسة البصر، وحين نكتب عن العين لا ننسى أبداً الأذن لما بينهما من علاقة متينة، نتذكر هنا قول أرسطو: (تكلَّم حتى أراك)، العلاقة بين البصر والسمع، أو الأذن والعين علاقة تكاملية حيناً وتنافسية حيناً آخر، لأن كل واحدة تحاول الحلول محل الأخرى، فالأذن لا تكتفي بالسمع بل تحاول الإبصار وإيقاع صاحبها بالعشق، يقول الشاعر بشار بن برد:
يا قومُ أذني لبعض الحيِّ عاشقةٌ      والأذن تعشق قبل العين أحيانا
قالوا: بمن لا ترى تهذي فقلتُ لهم      الأذن كالعين تُؤتي القلبَ ما كانا
وعن تبادل الأدوار بين العين والأذن قال ابن الفارض الشاعر الصوفي:
وسَمعيَ عينٌ تجتلي كلَّ ما بدا     وعينيَ سمعٌ إن شدا القومُ تُنصتِ
للعين في الوجه قدرة عجيبة على التعبير عما يجول في فكر الإنسان من أفكار وخواطر وهواجس، وتدل دلالة عميقة على نفسيته ومزاجه، فهناك العين الحزينة، وبالمقابل العين الفرحة السعيدة، هناك العين التي تدل على ذكاء صاحبها، وهناك العين التي تقول لك إن حاملها من أغبى عباد الله، هناك العين الماكرة والتي تخبرك بأن حاملها أو حاملتها من النصابين المحتالين، هناك العين الجاحظة، والصغيرة، واللوزية، والكبيرة الواسعة، وقد ارتبط جمال الوجه بالعيون الكبيرة الواسعة. كما للعين ألوان كثيرة ومتعددة منها: العيون السود، وتوصف بالحوَر إذا كانت شديد البياض والسواد، وقال فيها الشاعر:
حوراء إن نظرت إليك      سقتك بالعينين خمرا
يعني إنها لجمالها وحسنها تسبي العقول من الناظرين إليها كالخمرة تأخذ عقل شاربها. فما بالك إذا طرفت له بغمزة ذات دلالة ومغزى، فإنها تصيب القلب فوراً، وتجعلك صريع الهوى والعشق. هناك العيون الخضراء التي تشبه الربيع، والتي تكسب الوجه جمالاً وفتنةً. عند الحديث عن العين وأسرارها ودلالاتها وألوانها، لا بد لنا من التطرق إلى العين الحاسدة وهي العين التي تصيب الآخرين بالأذى، وتدل على أن حاملها إنسان حسود لا يحب الخير للآخرين أبداً، وقد قال الشاعر في هذه العين:
عينُ حُسَّادي عليها لي كَوَتْ             ما تَعَدَّاها أليمُ الكَيِّ كَيْ
لم تبقَ العين فقط للنظر أو التعبير عن المشاعر والأحاسيس، أو الدلالة على طبيعة صاحبها وأخلاقه ومزاجه، لأننا مع التطور العلمي والتقني، وتقدم الحياة أصبحنا نسمع الآن بما يسمى (بصمة العين)، سابقاً كان الحديث عن بصمة الأصابع، وأن لكل إنسان بصمةً خاصةً به تميزه عن الآخرين، ولا توجد في الأرض بصمة أصابع تشبه بصمةً أخرى، وقد اكتشف العلم أن للعين بصمة أيضاً، ولكل إنسان بصمة عينٍ خاصة به، وعلى ذكر كلمة إنسان هذه الكلمة تدل أيضاً على إنسان العين أي بؤبؤَها، قال الشاعر (ابن الفارض):
وقد سَخِنَت عيني عليها، كأنها بها لم تكن، يوماً من الدهرِ، قَرَّتِ
فإنسانها ميتٌ، ودمعي غُسلُهُ وأكفانه ما ابيضَّ حزناً لِفُرقَتي
أو قول الشاعر:
إن عامَ إنسان عيني في مدامعه       فقد أُمِدَّ بإحسانٍ وإنعامِ
كما للعيون ألوان ذكرنا بعضها، كذلك لها حالات، منها: العين الساهرة التي تسهر الليل حباً وشوقاً، أو هماً وقلقاً، أو تلصُّصاً ومراقبةً للآخرين، يقول المثل: من راقب الناس مات هماً، و قال الشاعر:
ولا استيقظت عينُ الرقيب ولم تزل     عليَّ لها في الحبِّ عيني رقيبتي
ويقصد الشاعر هنا عينَ الحرص والحماية، وشتان ما بين عين الرقيب وعين الحريص المحب. وهناك العين الباكية التي تذرف الدموع السواكب بسبب البعد أو الشوق أو الحنين أو الألم وهنا تصبح العينُ عيناً بمعنى صارت تشبه نبع الماء، قال الشاعر:
جرت الدموعُ من العيونِ تفجُّعاً           لحنينِها فكأنَّهنَّ عيونُ
الرضا والغضب حالتان يمر بهما كل إنسان، وتنعكسان على العيون أيضاً، فعين الرضا تجعلك ترى الجمال فقط في من تحب، أما عين الغضب والسخط فإنها لا ترى إلا القبائح والمساوئ، وقد عبر المتنبي عنهما خير تعبير حين قال:
وعينُ الرضا عن كل عيبٍ كليلةٌ       ولكنَّ عينَ السخطِ تبدي المساويا
والإنسان الحكيم والعاقل هو الذي يرى الأشياء والناس بعين الموضوعية التي ترى الأشياء بما لها وما عليها، بمحاسنها ومساوئها.
وأخيراً لا ننسى عين العتب وهي تدل على أن صاحبها يشعر نحوك بالحب والشوق، ولكنه عاتب عليك لتقصيرك بحقه، أو لنسيانك له وبعدك عنه، والعتب أو اللوم حالة عاطفية وجدانية نحملها لمن نحب، ونعبر بذلك عن ارتباطنا بهذا الشخص وعدم قدرتنا على التخلي عنه، وعلى قدر المحبة يكون العتب كما يقول المثل.
عماد الدين إبراهيم