ثقافة

قبل بدء عروض مسرحيته “دائرة الطباشير القوقازية” أيمن زيدان :فــي الــزمــن الـصـعـب نـحـتـاج إلـى فــن مـخـتـلـف

لأننا في الزمن الصعب ومن الضروري الترويج لأفكار الفكر التنويريّ تأتي أهمية مسرحية “دائرة الطباشير القوقازية” بالنسبة لمخرجها أيمن زيدان لأن بريخت من أهم المسرحيين الذين لديهم وجهة نظر تنويرية لحلّ الإشكال والصراع الاجتماعيّ والسياسيّ، ويؤكد زيدان في حواره مع البعث أن أهمية هذه المسرحية بالنسبة له والتي ستبدأ عروضها يوم السبت القادم ليست في الحكاية المشوقة ذات النهاية الصادمة وحسب، بل إن الأهم برأيه أن أحداثها تجري على خلفية حرب طاحنة تركت ظلالها على الحياة الاجتماعية والسياسية، ومن هنا يجد نقطة التلاقي بين هذه المسرحية والحالة العامة التي نعيشها في سورية بعيداً عن الإسقاط المباشر، مشيراً إلى أن هذا النص لم يسبق أن قُدِّم في سورية رغم أنه من المسرحيات الشهيرة لبريخت، متمنياً أن يكون قد نجح في تقديم تصوّر ورؤية خاصة فيه إلى جانب طرح جملة من الأسئلة الصادقة والساخنة في هذا الظرف الخاصّ.

لا وصفات جاهزة لتقديم مسرح بريخت
وبالنسبة للإعداد الذي أجراه زيدان على المسرحية ينوّه بأنه اجتزأ قسماً كبيراً من النصّ الذي يقوم بالأساس على تقديم مشكلة وأمثولة، حيث تمّ في الإعداد الاستغناء عن المشكلة التي كانت تجري في المزارع الجماعية والتي لا تشبهنا إطلاقاً ليتم التركيز على الأمثولة التي تحمل دلالاتها، مبيناً أنه ركّز على الإطار الذي تتحرك فيه الأحداث من خلال تكثيف وضبط تصاعد الحكاية، مبيناً أنه حاول وبشكل خاص أن يصحح المفهوم الذي قدمته العديد من الترجمات عن بريخت من أن مسرحه مسرح عقلاني ممل لا مكان للعواطف فيه، مؤكداً أن هذا المفهوم ليس صادقاً عنه وهو الذي يقرّ منذ “الأورغانون الصغير” بالمتعة ولكن ليختلف مع الآخرين حول طبيعة هذه المتعة التي تناسب عصره، ويعترف زيدان وهو الذي كان مستغرباً عدم تقديم هذا النص مسرحياً في سورية خلال كل تلك السنوات التي مضت أنه عندما بدأ العمل على هذه المسرحية استطاع أن يتلمس إجابة عن ذلك وهي أنه نص صعب جداً وتنطلق صعوبته من تعدد الجغرافيا والأمكنة التي تجري فيها الأحداث وحاجته الكبيرة إلى تكثيف الرموز والدلالات ومؤثرات التغريب، وبالتالي فهو نصّ يحتاج إلى جهد حقيقيّ وكبير بذله زيدان أثناء العمل عليه وبذهنية قد لا تتقاطع مع عروضه السابقة إلا بحرصه على أن تبقى العلاقة بين الخشبة والصالة مستمرة.. ويوضح زيدان أنه تجاوز إشكاليات النصّ المعقّد من خلال العلاقة الخاصة التي كانت تربطه ببريخت، حيث كان من المحظوظين يوماً حينما ذهب بإيفاد إلى برلينر انسامبل عام 1986 ومشاركته في أكثر من ورشة عمل حول مسرح بريخت، الأمر الذي جعله قادراً على فهم هذا المسرح بالشكل الصحيح بعيداً عن التطبيق الحرفيّ لمسرحيات بريخت لأن لبريخت برأي زيدان منهجاًً وطريقة تفكير في الإخراج، ومن هنا لا توجد وصفات جاهزة لتقديم مسرحه لأن مجرد اهتمامنا بالحديث عن الصراع السياسيّ والاجتماعيّ والبحث في دوافع الشخصيات ومصائرها نكون قد قدمنا هذا المسرح الذي هو بالدرجة الأولى منطق إخراجيّ وآلية تفكير، وانطلاقاً من ذلك يبيّن زيدان أنه عمل على تفكيك شيفرات هذه المسرحية لتبدو في النهاية وكأنها من السهل الممتنع، فبسّط الرموز والدلالات دون الوقوع في مطب التسطيح للخروج بصيغة عرض يخصنا ويعنينا ولكن دون الولوج في عملية الإسقاط المباشر الذي غاب تماماً عن الشخصيات والأمكنة والأحداث، ولكن بقي فيها ما يذكرنا دائماً بأن ما يحدث في المسرحية يشبه ما يحيط بنا .
ولأن زيدان انطلق في هذه المسرحية من ضرورة التأكيد على المعنى والهدف في أية خطوة أو إيماءة أو جملة كان موضوع الارتجال فيها محدوداً نوعاً ما (بعكس أعماله الأخرى) إلا فيما لا يشوّش على المعنى الأساسيّ، مبيناً أنه تعامل مع هذا الموضوع بحذر شديد إلى حد بعيد، ولإيصال الجرعة السياسية والإنسانية لهذا العرض عمل كذلك زيدان مع الممثلين بحرية، ولكن ضمن التأكيد على المعنى الاجتماعيّ للشخصية والمشهد والهدف منه، أي تعامل مع النصّ والممثلين إلى حد ما بمنطق أكاديميّ ومنهجيّ وبزمن احترافيّ.
لست مع أو ضد أعمال الأزمة
ولأن العرض يملي عادةً على المخرج شخصياته لجأ زيدان فيه إلى الوجوه الشابة والجديدة، خاصة وأن العمل صعب ومعقّد ويحتاج إلى فكّ شيفرات معقّدة لذلك كان لا بدّ له من الاعتماد على مجموعة من الفنانين الشباب لتكون رحلة البحث مكثّفة، متمنياً الوصول إلى النتائج المرجوة، كما يعلن زيدان أنه ليس مع أو ضدّ الأعمال التي تناولت الأزمة بشكل مباشر أو غير مباشر لإيمانه بأحقية أي فنان في أن يعبّر ويحكي عنها، ولكن الخطورة تكمن برأيه عندما يعتقد أي فنان تناول هذه الأزمة أنه قدم الإجابة الحاسمة عليها، مبيناً مما شاهده من عروض حول الأزمة أن معظمها كان على تماس مع النشيج والأوجاع بالمعنى العاطفيّ والوجدانيّ الذي لا يضيف قيمة معرفية، موضحاً أن تغييب القيم المعرفية من أي منتَج يعني ضموره السريع، وبالمقابل يرى زيدان أن وجود مثل هذه الأعمال مازال مبرراً مادامت الإجابات حول الأزمة ليست واضحة وهي تحتاج إلى وقت طويل، ولأن الفنان لا يستطيع إلا أن يتأثر بما يحدث تأتي ضرورة وجود مثل هذه الأعمال لخلق حالة تواصل بين الفنان ومحيطه، موضحاً أنه في عرضه لا يقترب من الأزمة رغم أن الظروف متشابهة بين أحداثها وأحداث المسرحية.
ويختم زيدان حواره مؤكداً أن أشياء كثيرة تغيّرت فيه كمسرحيّ ما بين عام 2011 و2014 فروحه أصبحت قليلاً شبه شاحبة ومتعبة ولكنه ككل السوريين ما زال لديه الإصرار على الحياة وقد زادته الظروف التي نمرّ بها عناداً وإصراراً وتحدياً من أجل الوجود ولكن بإحساس عال بالمسؤولية لأننا في الزمن الصعب نحتاج إلى فن مختلف، مشيراً إلى أن تاريخ التجربة الفنية علّمنا أن نتاجات على غاية من الأهمية قُدِّمت في الأزمنة الصعبة، فمن تحت سطوة الكنيسة ومحاكم التفتيش خرج الفارْس وبولفار الشارع والكوميديا ديلارتي، ومن الحرب الأهلية الإسبانية كتب لوركا أعظم ما أنجزه، ولهذا ولأننا في الزمن الصعب يرى زيدان أن الإحساس بالمسؤولية يجب أن يكبر لدى كل الفنانين، ولذلك يؤكد أن ما قدمه قبل العام 2011 لن يكون مشابهاً لما سيقدمه اليوم وفي الأيام القادمة.
يذكر أن مسرحية “دائرة الطباشير القوقازية” من تمثيل:
محمد حداقي-حسام الشاه- عروة العربي- فادي حموي – قصي قدسية- وسيم قزق- كرم شعراني- خوشناف ظاظا- مغيث صقر- علاء ديار بكرلي—لوريس قزق- ولاء عزام- نور أحمد- أريج خضور.
يذكر أن عروض المسرحية تبدأ يوم السبت القادم على خشبة مسرح الحمراء الساعة الخامسة.
أمينة عباس