قراءة اقتصادية في تعديلات التعرفة الجمركية
قبل أيام أدخلت المديرية العامة للجمارك تعديلات جديدة على التعرفة الجمركية، مبررة ذلك بأنه يشجع على التصريح الحقيقي لقيم المستوردات ويمنع التهريب، ما يساعد في رفد خزينة الدولة وفق ما صرّح به مديرها العام قبل عدة أيام، حيث إن بعض هذه الرسوم وصل سابقاً إلى /150%/، وبعد التعديل الجديد، أصبح حدها الأقصى /30%/.
ومن مبرِّرات التعديل أيضاً أن التجار كانوا يتهرّبون من الإفصاح عن القيم الحقيقية لمستورداتهم، ويحاولون تصنيف بضائعهم ضمن مواد لا يتجاوز رسم بندها الجمركي /20%/، حتى لا يضطروا إلى دفع رسوم عالية، أما الآن وبعد تخفيض الرسوم الجمركية، بات بإمكان المستورد التصريح عن القيم الحقيقية، فتزيد بذلك إيرادات الخزينة العامة للدولة، وخاصة بعد أن تبيَّن لمديرية الجمارك أن إيرادات المواد المنخفضة الرسم كانت أعلى من إيرادات المواد العالية الرسم، مدللاً على ذلك بالألبسة التي حققت إيرادات منخفضة جداً لدى رفع رسمها إلى /80%/!.
ولدى قراءتنا لهذا التخفيض ومدى صحة مبرّراته المتمثلة بتشجيع المستورد على التصريح عن القيم الحقيقية لمستورداته، نسأل عن مدى الثقة بأن يقترن ذلك بصدقية تصريح المستورد، الذي كان يستطيع التصريح بما يخالف القيمة الحقيقية لبضاعته، وكان يستطيع تغيير تصنيف بضائعه؟ أما كان ذلك بعلم الجمارك أم بتعاميها، أوَلن يتكرر ذلك بصيغ وأشكال جديدة؟.
لا شك أن بعض الظَّن إثْم، ولكن –على الأغلب- ليس هنا، ولا حرج في مخاطبة الخفير الجمركي بالقول: “إن كنت لا تدري فتلك مصيبة، وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم”.
لا ننكر أن التعديل الجديد راعى المستوردات اللازمة للصناعة الوطنية، من آليات ومعدات ومواد أولية، لأن أبرز المواد التي انخفضت رسومها إلى /1%/ هي المواد الداخلة بقوة في الصناعات الوطنية السورية، ولكن هذا التخفيض الكبير يثير الشك بأن المستوردين سيحققون أرباحاً عالية بسبب تصريحاتهم المعهودة والمتّسمة بضعف المصداقية.
المفارقة التي تستوقفنا في هذا المقال هي التخفيض الكبير الذي طال رسوم استيراد التبغ والعطور ومستحضرات التجميل والأحذية والسيارات والألبسة، مقابل العمل على رفع رسوم أخرى مثل رسوم امتحانات طلاب الشهادات على سبيل المثال لا الحصر!.
إذا صحّت مبرِّرات الجمارك بشأن التخفيضات الجديدة، أما من مسؤول يفكر ويسأل كم خسرت الدولة إثر العمل بالرسوم السابقة المرتفعة، ومن هو صاحب القرار المسؤول عن تلك الخسائر؟ وهل سيُسأل عمّا فعل؟ وإذا لم يصحّ هذا الإجراء أو ذاك فهل من الجائز أن نبقى في تجريب أقرب ما يكون إلى التخريب؟.
قد يكون من غير المستغرب أن يتم التهريب من المنافذ غير الشرعية، ولكن أليس هناك من يسأل، كيف يتمكن المهرِّب من التهريب، والمستورد من التهرُّب، وأن يفرض على الجمارك قبول تصريحه وتوصيفه الخاطئين عبر المنافذ الشرعية؟ ولماذا نلحظ هجوم أنموذج من رجال الأعمال باتجاه الاستيراد وليس باتجاه الإنتاج؟ وهل ننسى التلاعب المخزي الذي كانوا يفعلونه سابقاً يوم تم إلزامهم بتصدير ما يقارب استيرادهم، حيث كانوا يعمدون إلى تصدير المواد ورقياً فقط؟ ولماذا نجد لهاث شريحة معينة من العاملين –تعييناً أو انتقالاً- إلى العمل في الجمارك؟.
لا شك في أهمية وضرورة تعديل الرسوم -الجمركية وغيرها- بين حين وآخر، ولكن نعتقد أن آلية العمل –وتحديداً في الجمارك- هي الأولى بالتعديل، والتعويل كبير جداً على ذلك، وبالقريب العاجل، وليس بالبعيد المماطل..! وحبّذا أن تبدأ وزارة التنمية الإدارية عملها من على الحدود، ولا يمنع أن يتم البدء بالابتسامات.
عبد اللطيف عباس شعبان
عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية