في رحاب الذكرى السنوية لرحيله يـاسـر الـمـالـح أحـد أسـاطـيـن الأدب والـفـن فـي سـوريـة

على الرغم من صعوبة الإلمام بما تركه الراحل ياسر المالح من شخصه وإبداعه إلا أن الباحث والإعلامي غسان كلاس حاول قدر الإمكان بما سماها ومضات أن يذكّر الحضور في رحاب الذكرى السنوية لرحيله بمناقبه الإنسانية والإبداعية وذلك من خلال المحاضرة التي ألقاها مؤخراً في مركز ثقافي أبو رمانة ضمن سلسلة “أعلام خالدون” .

شخصية ثرّة
وقد اعترف كلاس في بداية محاضرته أنه لا يمكن تناول شخصية المالح بكل جوانبها في محاضرة واحدة لأنها شخصية ثرّة وغنية، يأمل من الجميع أن يفيدوا من مسيرتها لأن في سيرتها الكثير من الخير الذي يفيد المبدعين ومن يتلمس طريق الإبداع بمنتهى الوطنية والإخلاص.. من هنا بيّن أن المالح وإن غادرنا جسداً إلا أنه باقٍ فينا روحاً تضج حيوية ونشاطاً وقد خلّف آثاراً جميلة سواء في مجال الموسيقا أو الكلمة المكتوبة أو من خلال البرامج التلفزيونية التي شارك فيها معدّاً ومقدماً وضيفاً، موضحاً كلاس أن المالح مبدع نوعيّ ومتعدد الاهتمامات، استطاع ليس كما يقال أن يأخذ من كل موضوع فكرة بل أن يحيط كامل الإحاطة بكل مجال خاض فيه.. من هنا يذكره الجميع في أغاني برنامج “افتح يا سمسم” ونادي الاستماع الموسيقيّ وفي محاضراته وبرامجه الإذاعية والتلفزيونية، كما يذكره الكثيرون صديقاً ودوداً مخلصاً، لم يتردد يوماً في السؤال عن الأصدقاء، مشيراً كلاس إلى زيارات المالح المنتظمة التي كان يقوم بها إلى الفنان تيسير السعدي وسليمان العيسى وعصمت طلعت وقد كانت تلك الزيارات لها الأثر الكبير في نفوس هؤلاء، مؤكداً كلاس أن هذه اللقاءات الحميمة التي لم يتخلَّ عنها المالح تشير إلى تكوينه الإنسانيّ المتعلّق بمحبة الآخرين والإخلاص لهم .

أنصت تدخل عالم الحقيقة
نجح المالح –كما أكد كلاس- وعلى مدار 13 عاماً (2001-2013) عبر نادي الاستماع الموسيقي الذي أسسه في مركز ثقافي أبو رمانة أن يستقطب حشداً كبيراً من المستمعين، حيث كانت قاعة المركز تمتلئ كل يوم خميس بالمستمعين من كل الشرائح والمستويات مع الحضور الملفت للانتباه لرجال الفكر والأدب أمثال سليمان العيسى-كمال فوزي الشرابي-حافظ الجمالي وغيرهم لقناعتهم أن ما يقدمه المالح في هذا النادي كان غاية في الجودة والأهمية، ولا أدل على ذلك إلا شعار النادي الذي رفعه المالح ويقول فيه “أنصت تدخل عالم الحقيقة” مؤكداً كلاس أن كل ذلك النجاح ما كان من الممكن تحقيقه إلا بالجهد الكبير الذي كان يبذله المالح في النادي، مشيراً إلى أن المالح ولشعوره العالي بالمسؤولية كان يحضّر لجلسة النادي في كل مرة وكأنه يفعل ذلك للمرة الأولى انطلاقاً من إيمانه وإصراره على احترام المتلقي وتقديم الأفضل له، وهذا كان يعني بالنسبة له التحضير الجيد بعيداً عن الارتجال وتزويد المستمع بكل ما يمكن أن يساهم في خروجه من جلسة الاستماع مستمتعاً ومستفيداً وبحالة من الحلم والتذوق والمعرفة، مجنداً لتحقيق ذلك كل خبرته وثقافته، وقد كان يفعل كل ذلك وعلى مدار 13 عاماً دون أي مقابل ماديّ وقد كان ذلك أحد شروطه عند تأسيس النادي ليكون مجرد نشاط ثقافيّ هدفه المتعة والفائدة .

ومضات
ولتعدد وتنوع إبداعات المالح كان من الضروريّ بالنسبة لكلاس الإشارة لأن كل إبداع من إبداعاته يمكن الحديث عنه بشكل منفرد ومطوّل ليتمّ الإلمام به من كل الجوانب، ومن هنا أوضح أن ما أشار إليه مجرد ومضات للتذكير بما قدمه المالح فتوقف عنده كشاعر مؤكداً أنه كان شاعراً بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى وقد توجه بشعره إلى الكبار والصغار وقد تضمن برنامج “افتح يا سمسم” الشهير بعضاً منه ليجمعه بعد ذلك بشكل مكتوب عبر مجموعة بعنوان “الطفل يغنّي كلماتي” منوهاً إلى أن المالح كتب أيضاً الشعر الغنائيّ الذي لحّنه وأدّاه بصوته الجميل في بعض الأحيان، مشيراً إلى وجود تسجيلات بهذا الخصوص، كما بيّن كلاس أن المالح ورغم جوانب إبداعه المتعددة لم يغب يوماً عن الصحافة المحلية بكل أنواعها المكتوبة والمرئية حيث لم يخلُ عدد من مجلة “الحياة الموسيقية” التي تصدرها وزارة الثقافة من مقالة له في يوم من الأيام، وإلى جانب كل ما سبق ذكّر كلاس الحضور بأن المالح كان أستاذاً في تعليم أصول الكلام والنطق واللغة العربية وقد كان خبيراً مهماً في مركز التدريب الإذاعي والتلفزيوني وتدرّب على يديه عدد كبير من الإعلاميين السوريين .
ولأن المالح كان منظماً في كل شيء وحريصاً على الوقت استطاع –برأي كلاس- أن ينجز أيضاً عدداً كبيراً من المؤلفات منها على سبيل المثال كتابة الأول “الأميرة التي اختفت في الكويت” عام 1984 وقد ضمّ مجموعة كبيرة من المقالات التي كان ينشرها في الكويت وقد أصدره بتحريض من سليمان العيسى وزوجته د.ملكة أبيض، بالإضافة إلى كتب مثل “سهرة في بيتنا” بالتعاون مع زوجته أمل خضركي وكتاب “النغم والكلمة في حياة سهيل عرفة” الذي صدر عن الهيئة العامة السورية للكتاب بعد رحيله بمدة قصيرة .
ويختم كلاس كلامه مشيراً إلى أهمية الوقوف عند الأبعاد التي تتسم بها شخصية المالح الموسوعية وقد استطاع بفضها أن تكون له بصمات واضحة في تاريخ الأدب والفن في سورية .

أمينة عباس