تونس تطوي المرحلة المؤقتة بأقل الخسائر
أعلنت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس النتائج الأولية الرسمية للانتخابات الرئاسية في دورها الثاني، التي جرت الأحد، وأسفرت عن حصول الباجي قائد السبسي، مرشح القوى الوطنية، على نسبة 55.68 بالمئة من الأصوات، فيما حصل المنصف المرزوقي، مرشح الإخوان والتكفيريين، على نسبة 44.32 بالمئة، وجاءت النتيجة متطابقة تقريباً مع ما أعلنته مؤسسات سبر الآراء منذ مساء الأحد.
وأعلنت أن نسبة المشاركة في الانتخابات بلغت 59 بالمئة في حوالي 4000 مكتب اقتراع، وسجلت أكبر نسبة إقبال على التصويت في دائرة صفاقس 2، حيث بلغت نسبة المشاركة 58 بالمئة، في حين تمّ تسجيل أقل نسبة مشاركة في دائرة سيدي بوزيد بنسبة 33 بالمئة.
وأعلنت الهيئة الفرعية المستقلة للانتخابات بدائرة المهدية الساحلية أن قائد السبسي فاز بنسبة 67.3 بالمئة، في حين حصل المرزوقي على نسبة 32.7 من أصوات الناخبين.
وأقر المرزوقي رسمياً بهزيمته، وهنأ منافسه السبسي، ويعني ذلك أن المرزوقي لن يتوجه بأية طعون لهيئة الانتخابات، ما يعني إقرار النتيجة المعلنة بشكل رسمي.
ويرى السياسيون وغالبية التونسيين أن فوز قائد السبسي المدعوم من قبل الأحزاب السياسية الوطنية الديمقراطية والليبرالية والعلمانية يعد “انتصاراً تاريخياً” للمشروع الوطني الحداثي الديمقراطي على مشروع الإخوان الرجعي الذي يقوده بالوكالة منصف المرزوقي المدعوم من قبل حركة النهضة والجماعات السلفية.
وتوجّه السبسي بالشكر لكافة أفراد الشعب التونسي سواء منهم الذين ساندوه أو ساندوا المرزوقي، معتبراً أن التونسيين “عبّروا عن آرائهم بشكل سلمي وحضاري وبيّنوا للعالم أنهم شعب واع ومتحضر، وأكد أن “المستقبل يحتم العمل معاً من أجل تونس”.
ومع فوز قائد السبسي يكون التونسيون قد انتصروا للمشروع الوطني الحداثي، الذي ناضلت من أجله أجيال من المصلحين مند منتصف القرن التاسع عشر من أجل بناء دولة مدنية ذات مؤسسات سيادية قوية تتمتع باستقلالية قرارها الوطني، وأيضاً من أجل مجتمع تعددي ديمقراطي يضمن الحق في الاختلاف والتعايش السلمي، وبذلك أجهضوا الأمل الأخير لمشروع الإخوان الذي يقوده بالوكالة منصف المرزوقي في تحالف انتهازي مع الإسلامويين المدعومين من قبل المحور التركي القطري.
ونجح قائد السبسي خلال الحملة الانتخابية في كسب تأييد قطاعات واسعة من الرأي العام، حيث نحت لنفسه صورة “رجل الدولة القوي” الذي يدافع عن مكاسب التونسيين الاجتماعية والسياسية ضد أجندة حركة النهضة التي يرأسها راشد الغنوشي، والتي تسعى لنسف تلك المكاسب والعودة بتونس إلى القرون الوسطى من خلال أسلمة الدولة والمجتمع.
وفي الوقت الذي انتهج المرزوقي خطاباً يحرّض على العنف والكراهية وإثارة النعرات الجهوية والقبلية، انتهج قائد السبسي خطاباً وطنياً يدعو إلى الوحدة الوطنية بين جميع التونسيين، مشدداً على “الوفاق الوطني” من أجل إنقاد تونس من الأزمة التي تعصف بها منذ حوالي أربع سنوات.
واستفاد قائد السبسي من القواعد الانتخابية للأحزاب الوطنية والديمقراطية وأيضاً اليسارية التي دعت قواعدها إلى قطع الطريق أمام المرزوقي “لما يمثله من خطر على مستقبل العملية الديمقراطية بعد أن أصبح صوت الإسلامويين المرتبطين بالتنظيم الدولي للإخوان”، كما استفاد من خزان انتخابي شعبي غير منتم للأحزاب، بعد أن قاد حملة انتخابية ناجحة في الأحياء الشعبية وفي الجهات الداخلية المحرومة.
وبالمقابل قاد المرزوقي حملة انتخابية فاشلة، حيث كثيراً ما طالبه التونسيون بـ”الرحيل” حيثما حل تعبيراً منهم عن سخطهم وغضبهم على سنوات حكمه التي لم تجن منها تونس سوى أزمة سياسية واقتصادية واجتماعية خانقة.
ولا يخفي غالبية التونسيين فرحتهم بفوز قائد السبسي الذي قطع نهائياً مع تجربة الحكم الكارثية للترويكا بقيادة حركة النهضة، وهم يرون في هذا الفوز استعادة تونس لتجربتها الوطنية التي تأسست على مبدأ مدنية الدولة والولاء لها لا الولاء لجماعة دينية، كما تأسست على قيم تضامن المجتمع ونبذ العنف والسلم الأهلي بعيداً عن نزعات التعصب وتقسيمهم إلى “مؤمنين وكفار”.
وقاد قائد السبسي معركة شرسة ضد الإسلامويين منذ أن أسس حزب حركة نداء تونس قبل عامين، وألحق بها نكسة، لم تكن تتوقعها، لما فاز في الانتخابات البرلمانية بعد أن فاز بأغلبية مقاعد البرلمان.
وعلى الرغم من أن فوز زعيم حزب نداء تونس أنهى نفوذ جماعات الإسلام السياسي في المشهد السياسي التونسي فإن الجماعات الجهادية لا تزال تشكل خطراً على التجربة الديمقراطية الناشئة، ويعتبر قائد السبسي أن من أبرز أولوياته خلال السنوات الخمس القادمة تتمثل في محاربة الإرهاب وتوفير الأمن للمواطنين، الأمر الذي عزز التفاف السياسيين وأغلبية التونسيين حوله ودعمه.
ويشدد السياسيون والمراقبون على أن “تونس فتحت صفحة جديدة في تاريخها الوطني وكسبت معركة وطنية مصيرية ضد الإسلامويين لتجهض وللأبد أجندتهم المرتبطة بجهات خارجية ولتقبر مخططات الإسلام السياسي لا في تونس فقط وإنما في بقية البلدان العربية”.
ورداً على فوز السبسي أشعل أنصار النهضة أول بؤرة عنف رفضاً لهزيمتهم، حيث أطلقت قوات الشرطة التونسية قنابل الغاز في مدينة الحامة بمحافظة قابس في جنوب البلاد لتفريق مئات الشبان المحتجين على إعلان حملة قائد السبسي فوزه في انتخابات الرئاسة في تونس، ويتخوّف عدد من التونسيين من أن تكون هذه التحركات العنيفة، التي لا يوجد سبب حقيقي لها على أرض الواقع، مقدمة لرفض الناخبين الذين صوّتوا للمرزوقي، وأغلبيتهم الساحقة من أنصار حركة النهضة، للنتيجة النهائية التي أفرزتها صناديق الاقتراع، كما يتخوفون من أن تتوسع دائرة الاحتجاجات إلى مناطق أخرى في المدن التونسية.