الصفحة الاولى

سورية تهنئ بنجاح استحقاق الانتخابات الرئاسية.. وتعرب عن أملها باستعادة تونس دورها في خدمة القضايا الوطنية والقومية

النهضة تتلقى الضربة الثانية والقاضية.. وتونس تفتح صفحة جديدة في تاريخها
أعربت سورية عن تهانيها لتونس الشقيقة، رئيساً وحكومة وشعباً، على نجاح استحقاق الانتخابات الرئاسية، والتي حدد فيها الشعب التونسي خياراته بكل وضوح، وقال مصدر رسمي في وزارة الخارجية والمغتربين، أمس لسانا، إن الجمهورية العربية السورية تأمل بأن تشكل هذه الانتخابات خطوة مهمة نحو توطيد الاستقرار وتحقيق الرخاء للشعب التونسي الشقيق، واستعادة تونس دورها الفاعل في خدمة القضايا الوطنية والقومية.
وكانت الهيئة العليا للانتخابات الرئاسية التونسية أعلنت، الاثنين، فوز الباجي قائد السبسي بمنصب رئيس الجمهورية التونسية للسنوات الخمس القادمة بنسبة 55.68 بالمئة من أصوات الناخبين، علماً أن نسبة المشاركين بلغت 66.11 بالمئة، وإثر الإعلان انتفضت هالة بن عاشور “موظفة بنك” وهي تصرخ مجهشة بالبكاء أمام مقر الحملة الانتخابية، رافعة بيدها اليمنى العلم التونسي وبيدها اليسرى صورة السبسي “تحيا تونس، فاز الباجي، فاز رجل الدولة القوي، فازت الديمقراطية”، في مشهد مؤثر يختزل الدوافع الأساسية التي وقفت وراء فوز السياسي العلماني على منافسه مرشح الإخوان منصف المرزوقي.
ولا يخفي غالبية التونسيين أن نتائج الانتخابات حسمت “معركة وطنية تاريخية ومصيرية” من خلال انتصار المشروع الوطني الحداثي الذي تعود جذوره إلى منتصف القرن التاسع عشر على مشروع الإخوان الرجعي الذي يهدف إلى العودة بتونس إلى القرن السابع للهجرة، كما يقول مراقبون، ويتحدّثون بفخر أن قائد السبسي فاز على المرزوقي لأنه “رجل دولة قوي يتمتع بكاريزما جذابة ورجل وفاق ديمقراطي أعاد الأمل للناس بعد ما يقارب أربع سنوات من الإحباط النفسي والاجتماعي جراء السياسات الفاشلة لحكم الترويكا بقيادة حركة النهضة”.
وعلى الرغم من تجربته السياسية الطويلة خلال فترة حكم الزعيم الحبيب بورقيبة حيث شغل طيلة ثلاثة عقود مناصب وزارية وحكومية، لم يكن قائد السبسي معروفاً بالقدر الكافي لدى عامة الناس، كما هو معروف في الأوساط السياسية، وخاصة المعارضة، لنظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي، حيث نأى بنفسه عن المسؤوليات منذ عام 1991 لينسج علاقات مع شخصيات سياسية ومدنية وحقوقية بعيداً عن الأضواء.
واكتشف التونسيون قائد السبسي كشخصية سياسية وطنية منذ أن ترأس الحكومة عام 2011 بعد سقوط نظام بن علي، وتعمّقت معرفتهم به بعد أن أسس حزب حركة نداء تونس عام 2012 لمواجهة حركة النهضة، التي احتكرت الحياة السياسية إثر فوزها في انتخابات تشرين الأول 2011 مستفيدة من مشهد سياسي هش وغير متوازن.
وبدا المشهد السياسي يتجه نحو تعميق اختلال التوازن جراء حلّ حزب التجمع، الذي كان حاكماً في فترة بن علي من جهة، وتشرذم الأحزاب الليبرالية والعلمانية، التي عجزت عن توحيد صفوفها أمام المد الإخواني، واستغلت النهضة حالة اختلال المشهد السياسي، وفازت في انتخابات تشرين 2011 بنسبة 32 بالمئة فقط، وهو ما يعني أن 68 بالمئة ضدها، لكن لم يجدوا حزباً سياسياً قادراً على مواجهتها ويدافع عن مكاسب التونسيين.
التقط قائد السبسي حالة الفراغ السياسي ومخاوف التونسيين من سطوة الإخوان، فأسس حزب نداء تونس عام 2012، متسلحاً بتجربته العريقة وبروح وطنية تستمد وهجها من خصوصية التجربة التونسية المشدودة لعناوين المشروع الوطني ولمكاسب التونسيين.
ومع تأسيس نداء تونس استعاد التونسيون الأمل في الخروج من الأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، التي زجت فيها النهضة البلاد، فهاجرت قطاعات واسعة من مختلف فئات المجتمع للحزب الذي رأوا فيه القوة الوحيدة القادرة على إعادة التوازن للمشهد السياسي، وأيضاً الحزب الوحيد الذي يعكس استمرارية المشروع الوطني.
خاض نداء تونس بذكاء معركة شرسة ضد حكومة النهضة، مسنوداً بالقوى الوطنية والديمقراطية، وبالاتحاد العام التونسي للشغل، وأجبرها على التنحي لفائدة حكومة كفاءات غير متحزبة، ليعزز الأمل لدى التونسيين بأن الإسلام السياسي لا مستقبل له في تونس، ونجح خلال عامين فقط في بناء رأي عام يؤمن بأن الإسلامويين يمثلون خطراً على الحريات المدنية والسياسية الفردية والعامة، وأنهم يسعون إلى فرض نمط مجتمعي غريب عن المجتمع التونسي، وإلى نخر مؤسسات الدولة المدنية من خلال مشروع مرتبط بالتنظيم الدولي للإخوان، يهدف إلى أسلمة الدولة والمجتمع.
ولم يتردد نداء تونس في تحميل حركة النهضة مسؤولية استفحال ظاهرة الإرهاب في البلاد بعد أن تواطأت مع الجماعات السلفية المتطرفة، التي نشطت بحرية في تجنيد الشباب للالتحاق بالجماعات الإرهابية في سورية والعراق.
وقبل الانتخابات البرلمانية التي جرت في تشرين الثاني، وفاز فيها نداء تونس بأغلبية المقاعد، ثم الانتخابات الرئاسية، التي جرت الأحد، وفاز فيها قائد السبسي على مرشح الإخوان، بدت حركة النهضة مهزوزة ومنهكة سياسياً وتنظيمياً، وخاضت الاستحقاقين الانتخابيين وهي شبه معزولة سياسياً وشعبياً جراء تجربتها الفاشلة في الحكم، وأيضاً نتيجة الجهود التي قادها زعيم النداء في فضح أجندتها وازدواجية خطابها واستخفافها بإرادة الشعب.
لم تكن نكسة النهضة نكسة انتخابية فقط، بل هي نكسة سياسية بالأساس، لأنها عكست إرادة التونسيين في إجهاض المشروع الإخواني، المرتبط بالمحور التركي القطري، ويتناقض تمام التناقض مع المشروع الديمقراطي الوطني.
لم يكن فوز قائد السبسي رئيساً للجمهورية فوزاً انتخابياً فحسب، وإنما هو فوز سياسي لأنه عكس انتصار التونسيين لفرادة تجربتهم الوطنية، وتمسكهم بقيم الحداثة، ورفضهم لمشروع الإسلام السياسي.
وخلافاً لنزعة النهضة الاحتكارية للسلطة، حيث استفردت بالحكم إثر فوزها في انتخابات تشرين الأول 2011 تعهد قائد السبسي بأن لا يحكم حزب “نداء تونس” بمفرده، وإنما سيشكل حكومة ائتلافية تشارك فيها العائلة الديمقراطية، الأمر الذي عزز ثقة الناخبين فيه، في وقت تمر فيه البلاد بمرحلة انتقال ديمقراطي هشة نظراً للأزمة التي تمر بها البلاد من جهة، ونظراً لتداعيات الوضع الإقليمي المضطرب، وخاصة ما يحدث في ليبيا.
ومنذ الإعلان عن فوز قائد السبسي رئيساً لتونس يتحدّث السياسيون وغالبية التونسيين عن أن بلادهم فتحت صفحة جديدة في تاريخها، وأنهم انتخبوا ولأول مرة رجلاً يمتلك من التجربة السياسية ومن الخصائص الذاتية ما يجعله قادراً على مواجهة التحديات وعلى تحقيق تطلعاتهم السياسية والتنموية.