غياب مرجعية موحّدة لها يحرف بوصلة الدعم عنها المشــروعات المتوســطة والصغيــرة تائهــة بيــن معاييــر التصنيــف وســلم الأولويــات
لا تخلو معظم مؤتمرات ولقاءات واجتماعات وندوات فعالياتنا الاقتصادية العامة والخاصة، من الحديث عن المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وأهميتها كشرايين استراتيجية لاقتصادنا الوطني، ما يستوجب بالضرورة تفعيل هذا المكوِّن ووو..الخ، لكن الواقع يشي بأن حجم الاهتمام بهذه المشروعات لا يتعدى البريستيج الإعلامي، إذ لم تتبلور بعد آليات دعم المشروعات المتوسطة والصغيرة والمتناهية الصغر، بصورة تعكس تنميتها ومساهمتها بإيجاد فرص عمل تستوعب البطالة المتغلغلة بمجتمعنا رغم تعدّد الجهات المعنية بهذا الموضوع الحيوي، وحاجة اقتصادنا الملحّة إلى هذا النوع من المشروعات.
تشتت
الواقع الراهن يملي على المعنيين بهذا النوع من المشروعات، وضعها في سلم أولويات هذه المرحلة بالذات، وتركيز جهودهم لتوسيع خريطتها لتشمل مناطق القطر كافة، واعتماد استراتيجية تتناسب مع الفسيفساء المتنوعة لاقتصادنا الوطني، لا أن تضع كل جهة معايير خاصة بها وتعمل عليها دون وجود مرجعية موحّدة تنطلق منها كل الجهات كما هو حاصل الآن، حيث إن الهيئة العامة للتشغيل وتنمية المشروعات لها معيار يعرّف المشروعات يختلف عن المعيار الوطني الذي اعتمدته مديرية المشروعات المتوسطة والصغيرة في وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية، وهيئة الاستثمار لها معيار يختلف عن سابقيه وكذلك اتحاد الحرفيين، ناهيكم عن موضوع التمويل الذي لا يزال يشكل التحدّي الأكبر لعجلة التنمية في سورية، بعد نأي المصارف عن التنمية واكتفائها بتحقيق أرباحها بالدرجة الأولى، وبقاء مسوّدة مشروع إحداث الصندوق الخاص بدعم المشروعات المتوسطة والصغيرة والمقدّر رأس ماله بـ 5 مليارات ليرة سورية طيّ الأدراج.
تصنيف ولكن..!
وفي التفاصيل نوضح أن التعريف المعتمد لدى الهيئة الذي ورد في مرسوم إنشائها يعتبر أن شريحة هذا النوع من المشروعات يبلغ رأس مالها من 15 مليون ليرة وما دون، فالبالغ الصغر يبدأ من 100 ألف ليرة إلى 1.5 مليون على أن يشغل فرصة عمل واحدة على الأقل، والصغير من 1.5 مليون إلى 5 ملايين ويشغّل 6 فرص عمل، والمتوسط من 5 ملايين إلى 15 مليوناً ويشغل 16 فرصة عمل.
إلا أن وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية ارتأت اعتماد تصنيف آخر يعتبر أن المشاريع المتناهية الصغر توفر أقل من عشر فرص عمل ومبيعاتها أقل من 3 ملايين ليرة، والصغيرة من تمتلك أقل من 50 عاملاً ورأس مالها أقل من 50 مليوناً، أما المتوسطة فعمالتها أقل من 250 عاملاً ورأس مالها أقل من 250 مليون ليرة.
قراءة
ومن خلال قراءتنا للمعيار الأخير يتبيّن أن أكثر من 99.5% من المشروعات الموجودة في سورية هي مشروعات صغيرة ومتوسطة، وبالتالي فإن أي دعم لهذا القطاع يعني دعم الاقتصاد الوطني برمّته، ما يحول بالنتيجة دون إيصال الدعم لمستحقيه من رواد الأعمال كي يولّدوا عبر مشاريعهم الناشئة فرص عمل تساهم في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية، كما أن المؤسسة التي رأس مالها 100 مليون ليرة وتشغّل 100 عامل ليست بحاجة إلى الدعم، بل من المفترض أن تدعم الموازنة العامة للدولة عبر تسديد ما يترتب عليها من ضرائب ورسوم، فضلاً عن أن عدم وجود معيار معتمد لدى جميع الجهات المعنية بالاستثمار ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة يحرف توجّه بوصلة الدعم ويبعد مسارها عن هدفها المقصود.
تخبّط
الأنكى من ذلك أنه وفي ظل التخبّط الحاصل بآليات الدعم وغياب معيار واحد معتمد من الجهات المعنية، فإن مشروعاً واحداً يعتبر لدى جهة ما صغيراً ولدى أخرى متوسطاً ولدى ثالثة كبيراً، فهيئة الاستثمار –على سبيل المثال- تدعم المشاريع الكبيرة، ووفق معاييرها قد تدعم مشروعاً رأسماله 10 ملايين ليرة في المنطقة الشمالية الشرقية وتعتبره كبيراً في تلك المنطقة بهدف تنميتها، وفي الوقت نفسه هو مشروع صغير بناءً على التعريف الوطني المعتمد من وزارة الاقتصاد، ومتوسط وفق تعريف الهيئة، وبالتالي يمكن لهذا المشروع أن يتلقى الدعم من ثلاث جهات..!.
من الآخر
نعتقد أن الحل الأمثل لتنمية قطاع المشروعات المتوسطة والصغيرة هو توحيد المرجعيات بمرجعية واحدة تكون هي المسؤولة عنه من بابه إلى محرابه، وتدعيمها بصندوق مخصص لهذه الغاية، والاستفادة من جميع الخبرات والكوادر الحالية، وليس إحداث كيان جديد ينطلق من نقطة الصفر، ويضيع الوقت والجهد والمال عليه ويصل في النهاية إلى طريق مسدود، وخاصة أن الوقت ليس في مصلحة اقتصادنا الوطني.
دمشق – حسن النابلسي