اقتصاد

الشجرة في عيدها الثالث والستين: ثروتنا الحراجية لاتزال تنوء بتحديات وتعديات تنذر بتدهورها وتبديد مواردها الاقتصادية والإنتاجية

تقيم وزارة الزراعة بعد غد الأحد الاحتفال المركزي بعيد الشجرة الثالث والستين في محافظة اللاذقية، ويتوّج بإطلاق حملة تحريج موسعة في موقع العيسوية الحراجي بمساحة /100 دونم/ وهو من المواقع المحروقة المتضررة، وهذه المساحة سيعاد ترميمها بزراعة (10) آلاف غرسة حراجية ضمن خطة تشجير مكثّفة تستهدف المناطق والمواقع المتضررة من الحرائق الحراجية والتعديات والقطع الجائر وغيرها من أعمال التخريب التي التهمت مساحات واسعة من غاباتنا وتفاقمت بنار الإرهاب التي أتت بحقدها على آلاف الهكتارات من غطائنا الحراجي الأخضر الذي يجمع بين القيمة الجمالية والأهمية الاقتصادية والسياحية والبيئية.
وإزاء هذا الواقع المؤسف لاتزال ثروتنا الحراجية تنوء تحت جملة تحديات طبيعية وبشرية حقيقية تتّسع بؤرة مفاعيلها السلبية المحدقة راهناً ومستقبلاً بالتوازن البيئي والتنوع الحيوي، وبحسب التقديرات الأولية التي كشفت عنها مديرية زراعة اللاذقية فإن الحرائق والأضرار تخطّت أكثر من (20) ألف هكتار، فتكت بها نار الإرهاب، تضاف إليها مساحات حراجية واسعة التهمتها الحرائق خلال السنوات الماضية والحصيلة خسارة بيئية واقتصادية بكل المقاييس وأيضاً خسارة  إنتاجية، وتُقدّر قيمة الأضرار كأخشاب  فقط  بحسب مديرية زراعة اللاذقية بنحو (52) مليار ليرة من مساحات الغابات والحراج المحروقة، وأن تكلفة إعادة تأهيلها وزرعها نحو (32) مليار ليرة وهذه الخسائر باتت موارد اقتصادية ضائعة!.
وهنا تكمن ضرورة استثمار الإنتاج الخشبي بطرق علمية مدروسة وممنهجة تغطّي احتياجات السوق المحلية وتدعم قطاعات حرفية وصناعية واستخدامات منزلية، وأيضاً تأهيل الكثير من تلك المواقع والمناطق الحراجية سياحياً في مراكز تنشيط  للسياحة والاستجمام والاصطياف ووقايتها التعديات، وإيجاد  تنمية بشرية في التجمعات السكنية المجاورة لحراجنا ببرامج ومشروعات التنمية الريفية ذات الوظيفة الاجتماعية والاقتصادية في المناطق الريفية ولاسيما النائية، واستقطاب الكثير من البرامج التنموية الموّلدة لفرص العمل بتزويد الباحثين عن مصادر عيش بمهارات وخبرات تمكنهم من مزاولة مهن يدوية في التصنيع الزراعي ومختلف أشكال مشروعات التنمية الزراعية والصناعات الحرفية واليدوية.
وفي عيد الشجرة الثالث والستين ينبغي التأكيد أن حراجنا وغاباتنا  أحوج إلى برامج فاعلة تتشارك فيها جهات ومؤسسات بحثية وفنية تقنية وإنتاجية واستثمارية مثل مشروع حفظ التنوع الحيوي وإدارة المحميات الطبيعية الذي يمكن أن يسهم جدياً في تطوير السياحة البيئية،   فيكون الموقع الحراجي المدرج في حفظ التنوع الحيوي نواة حقيقيّة للسياحة البيئية كونه موقعاً متميزاً بالعديد من المكوّنات الحيوية الطبيعية الفريدة، ويتوّج المشروع برسم السياسات الوطنية الحديثة لإدارة كل أنماط المحميات في سورية، وكذلك وضع  أسس النشاطات البشرية بالتوازي مع تناسب مقومات ما يملكه من تنوع حيوي ومناخ مميز وطبيعة خلابة تخدم مثل هذا النمط من السياحة، وتأسيس قاعدة معلومات متكاملة فيما يتعلّق بالمحميات الطبيعية والأنواع النباتية والحيوانية الموجودة وتحديثها باستمرار من خلال البرنامج الوظيفي والتنموي لمشروع تطوير السياحة البيئية ومكوّنات خطة الإدارة المتكاملة للتطوير البيئي السياحي بالطرق العملية الحديثة في إدارة المحمية وحفظ التنوع الحيوي للغابات، وتكمن هنا ضرورة إعادة النظر في  الطريقة التقليدية التي يجرى من خلالها التعاطي مع هذه الثروة الاقتصادية بكل جوانب أهميتها البيئية والسياحية، لأن التشريعات الحراجية النافذة تمنع التدخل الإيجابي في استنباط موارد الغابات ومنتجاتها بأسلوب علمي مدروس، في حين تشكل الغابات في كثير من الدول  روافد اقتصادية تضخ الموارد والإيرادات، أما غاباتنا فلاتزال مجمّدة اقتصادياً واستثمارياً وتقتصر وظيفتها على الناحية الجمالية البصرية وفي أحسن الأحوال نجعل منها حقل تجارب وأبحاث لإعداد دراسات وأبحاث  قاصرة لأنها لاتأخذ طريقها إلى التطبيق.
اللاذقية- مروان حويجة