ماذا بعد فوز السبسي؟
بفوز الباجي قائد السبسي في الانتخابات الرئاسية، تكون المرحلة السياسية القادمة في تونس مرحلة تناغم بين الرئاسات الثلاث (رئاسة البرلمان، رئاسة الحكومة، رئاسة الجمهورية). وما رأَى فيه خصوم حزب نداء تونس تغوّلاً يهدد الديمقراطية والحريات والحقوق، وينذر بعودة الاستبداد، رأى فيه الحزب الفائز في الانتخابات التشريعية والرئاسية ضرورة لنجاح عمل الحكومة التي سيشكلها. وتفسير ذلك أن فوز المرزوقي خصم نداء تونس اللدود في الانتخابات الرئاسية كان سيعني – لو تمّ – أن المرحلة المقبلة ستكون مرحلة صراع داخل السلطة التنفيذية بين رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية، ولاسيما أن هذا الأخير يملك من الصلاحيات الدستورية مايجعله قادراً على وضع العصي في عجلات الحكومة وعلى عرقلة تنفيذ برنامجها، مما كان سيؤدي الى أزمة سياسية خطيرة، وربما الى انفجار اجتماعي جديد يأخذ البلاد الى الهاوية.
أما وقد فاز السبسي، فلم يعد هذا السيناريو وارداً. لكن هذا سيضع نداء تونس أمام امتحان ممارسة الحكم. وهو امتحان أصعب بكثير من امتحان الانتخابات الرئاسية والتشريعية التي فاز فيها الحزب، وسيُحمّله مسؤولية أكبر في نظر الشعب الذي لن يغفر له أي فشل أو تقصير. ولا شك في أن نداء تونس يدرك هذا تماماً، مثلما يدرك أن الملفات التي تنتظر الحكومة القادمة في غاية الصعوبة. ومن هنا استمراره في التأكيد على التوافق وضرورة تشكيل حكومة ذات قاعدة نيابية عريضة. وإذا ما نجح الحزب في تشكيل هذه الحكومة على أساس التفاف نيابي عريض حول برنامج وليس على أساس المحاصصة الحزبية، فإنه سيقطع بذلك شوطاً مهماً على طريق معالجة الملفات الضاغطة التي تشغل بال الجميع، وفي مقدمتها ملفات: الأمن، والتنمية، والسياسة الخارجية. وتبرز إعادة النظر بالموقف الرسمي من الأزمة السورية بين أولويات هذا الملف الأخير، وترقى الى مستوى الضرورة الوطنية والقومية. أكثر من ذلك، فإن الحكومة التونسية مدينة باعتذار لسورية على قرار طرد السفير الذي اتخذه الرئيس المؤقت المنصف المرزوقي في لحظة تهور قاتل توهّم فيها، كأمثاله من أدوات «الربيع العربي» المزعوم، أن أيام ماسمّوه «النظام السوري» أصبحت معدودة. فإذا به، بعد أقل من ثلاث سنوات، يفقد السلطة، كما فقدها قبله ساركوزي في فرنسا، ومرسي في مصر، والحبل على الجرار، بينما السلطة الوطنية في سورية صامدة بقوة شعبها وجيشها وشجاعة قيادتها ودعم حلفائها، وتُحقق النجاح تلو النجاح في محاربة الإرهاب التكفيري، وإجراء المصالحات الوطنية.
لقد كانت فعلة المرزوقي وصمة عار في تاريخ السياسة الخارجية التونسية. وماكانت تقاليد تلك السياسة التي بُنِي أساسها المتوازن باحترافية عالية في عهد الرئيس الراحل بورقيبة لتسمح بها لولا تراجع منطق الدولة إثر انهيار النظام السابق، وخضوع حكومة الترويكا لإملاءات ممولي «الربيع العربي» الاسم التجميلي لمشروع الشرق الأوسط الجديد. لكن سورية كانت تدرك جيداً أن هذا القرار الجائر الذي أساء الى تونس قبل أن يسيء الى سورية لن يستمر طويلاً لأنه لا يمثل شعب تونس الأصيل، ولأن الدبلوماسية التونسية الرسمية كانت في واد والدبلوماسية الشعبية في واد آخر.
وها قد قال الشعب التونسي كلمته في المرزوقي وداعميه، وأنصف تونس الأصيلة قبل أن ينصف سورية العروبة.
محمد كنايسي