المال وإعادة الأمان
مع بداية الأزمة السورية عمد بعض المستثمرين إلى إخراج أموالهم نحو البلدان المجاورة وبالأخص لبنان، وفي نهاية العام 2011 قُدّرت الأموال السورية التي تمّ تهريبها إلى هذا البلد الأخير بنحو 20 مليار دولار، ولم تحرك حينها السلطات النقدية ساكناً، فكان ما كان من استنزاف للمزيد من السيولة، وفي الوقت نفسه كان عدم الاستقرار عذراً لرأس المال الجبان من جهة، وتراجع النمو الاقتصادي سبباً في تكبيل الجهات التنفيذية عن اتخاذ قرارات نتائجها غامضة وذلك من جهة ثانية.. إلا أنه لم يعد تبريراً مقنعاً بعد ثلاث سنوات ومع تلمّس الداني والقاصي لتحسّن الوضع الأمني وفي ظل الانطلاق بمرحلة إعادة الإعمار، والبحث عن رساميل لإقامة مشاريع متوسطة وصغيرة؟!.
وإذا افترضنا جدلاً أن كتلة نقدية ضخمة عادت، فمن الناحية المصرفية لن يستطيع النظام المالي السوري تحمّل ودائع كبيرة وسط تباطؤ النمو الاقتصادي، لأن ذلك سيساهم في زيادة فوائد مالية عالية، وبالتالي لابد من صياغة قانون جريء يسمح للمصارف العاملة في البلاد بتمويل أصحاب المشاريع وتحديداً المتوسطة والصغيرة مع ضمانات عالية، بحيث تحقّق المنفعة للأطراف كافة: (المستثمرون، والمصارف، والاقتصاد الوطني).
وقد يسأل سائل: لماذا يخاطر صاحب رأس المال ويسحب أمواله من مصارف دول الجوار ويودعها في مصارفنا؟ وإن الحوافز والمزايا التي ستقدّم للراغبين بإعادة أموالهم –في هذه الظروف– يجب أن تبلغ درجة السخاء، للتقليل من مستوى المخاطرة.. فهل بإمكان الحكومة تقديمها من منطلق المصلحة الاقتصادية الوطنية العليا؟، وبناء على الرصد والمتابعة.
يمكن الإشارة إلى أن ما بين 70 إلى 90% من رؤوس الأموال السورية المهرّبة إلى دول الجوار لم تكن للاستثمار بل من أجل الأمان، وبقاؤها لعدة سنوات دون استثمار مالكها لها، لا يتطلب جهداً أو عطاءات حكومية كبيرة لجذب هذه السيولة إلى بيئتنا الاستثمارية وخزائن بنوكنا، كما أن إعادة الإعمار وطرح مشاريع ضخمة ومشاهدة الجميع عملية البدء بالتنفيذ على أرض الواقع، ستدفع برجال الأعمال السوريين وغيرهم من الأجانب والعرب إلى الاستثمار، نظراً للعوائد المجزية الجيدة التي تعدّ مرتفعة جداً في مثل هذه المرحلة الطويلة الأجل.
ثمّة عوامل أخرى مستجدة مشجعة، يفترض استثمارها أفضل استثمار لجذب رجال “البزنس” بأموالهم إلى سورية، منها رخص الأيدي العاملة لدينا بما فيها الخبيرة والكفوءة، وتوافر المواد الأولية وخصوصاً الزراعية منها، أي وبشكل أدق تدني تكاليف الإنتاج مقارنة مع دول الجوار التي تعدّ عالية جداً، وكانت سبباً رئيسياً لعدم إقدام السوريين على الاستثمار في لبنان والأردن وتركيا وتفضيله إيداع أموالهم في مصارفها وبفوائد منخفضة.
كل تلك التراجعات في النمو الاقتصادي الظاهرة على مؤشرات دول الجوار التي بدأت نار الإرهاب تلفح بصناعاتها (تركيا) مثالاً، وسياحتها (مصر)، ومصارفها (لبنان)، وتجارة الترانزيت (الأردن)، وبالمقابل عودة الأمن والأمان إلى مناطق وأراضي شاسعة في سورية، والتبدلات السياسية الإيجابية الواضحة.. هي بمثابة ركائز استناد يمكن الانطلاق من خلالها لإعادة مليارات الدولارات لاستثمارها محلياً وتجنيدها في خدمة الوطن والمواطن.
سامر حلاس
Samer_hl@yahoo.com