أطفالنا في دائرة الخطر
نحن الآن أمام جيل طفولي شاهد أعنف مظاهر القتل والتشرُّد والضياع, طفلنا اليوم وللأسف الشديد, حمل السلاح, وارتكب كل الجرائم التي لم يرتكبها أي طفل قبل الأزمة أو حتى فكَّر بها.
أطفالنا اليوم بحاجة إلى رعاية واهتمام من قبل الجميع. هم بحاجة إلى رعاية جسديَّة ونفسيَّة وفكرية وإبداعية، بحاجة إلى الكلمة الصادقة واليد الحنونة, بحاجة إلى التوجيه الصحيح نحو مستقبل آمن بعيد عن الكراهيَّة والعدائية, نحو مستقبل يسوده الحب والتسامح.. فكيف نحمي أطفالنا من الضياع في مهب هذه الحرب العالميَّة, التي شُنَّت علينا من جميع الجهات؟ هل نحميهم بالخطب والاجتماعات التي لا تنتهي سوى ببعض التطلعات القاصرة والآمال المقتولة في لحظتها؟ هل نحميهم بالوعود الكاذبة والتسويف وفرض الشروط التي لا تطبق إلا على الورق؟ هل نحميهم, ونحن نأكل ونشرب من حسابهم, (حساب المصلحة العامة)؟ هل نحميهم بالتكريم الهزيل الذي يجعل المكرَّم متشائلاً مما يرى, ويشعره بالخيبة من عدم الإنصاف.
عندما أشجِّع طفل على قراءة القصة, ولا أسعى لتوفير مجموعة قصصيَّة جيِّدة له, أو توفير أي نشاط ثقافي خاص به, فأنا أهدِّم بناءه النفسي, وأهدِّم بالتالي نظرته المحترمة لي.
سؤال يطرح نفسه: هل الضمير الحي يحتاج إلى ثقافة؟ أم يحتاج إلى عين إنسان ترى عظمة الخالق, فتعبده بالحب, وتتعامل مع من حولها بصدق ورحمة؟
كنّا أمام لقاء ثقافي لمنظمة طلائع البعث في مدينة حمص في مدرسة (البحتري). بحضور عدد كبير من الطلاب ومدراء المدارس وقيادة فرع المنظمة في طلائع البعث من حمص ودمشق.
اللافت في هذا اللقاء الثقافي إدارة الطفل (عمَّار سعيدة) للفقرات المراد العمل بها في هذا النشاط, فقد تميَّز بالثقة الكبيرة بالنفس, وكأنه متمرِّس على هكذا تقديم منذ زمن بعيد, فقد أدار اللقاء دون أن نشعر بأي ارتباك له, وهذا تدريب واضح للأطفال على إدارة الجلسات الثقافيَّة دون الاعتماد على الكبار. ويعود الفضل بذلك إلى اهتمام الأستاذ (مكسيم الخضر) بإسداء الدور الأكبر للطفل في إثبات شخصيَّته ومقدرته العالية على تجاوز كل الصعوبات.
اللقاء ضمَّ قراءة لبعض القصص الفائزة على مستوى القطر, إضافة إلى مشاركتي أنا في مجال الشعر والقصة باعتبار أنه لديّ عدة مجموعات قصصيَّة من إصدار اتحاد كتَّاب العرب وغيره.
نحن أمام طالبتين تكتبان القصة القصيرة, الطالبة: (راما عبود): متميَّزة حقيقة بطريقة إلقائها للقصة, وبحسها العفوي في تأدية النبرة الكلاميَّة المناسبة للجملة. والطالبة الثانية: (ريناد محمد حسن) رائدة على مستوى القطر في كتابة القصة القصيرة عام 2014 تمتلك جرأة وثقة واندفاعاً وخيالاً محلِّقاً مدهشاً وحباً ظاهراً لأن تصل إلى مرحلة الكاتبة المميَّزة, فقصتها التي قرأتها هي من قلب الأحداث, الأرض..الوطن.. الحنين.. الشهيد. وهذا يدلُّ دلالة واضحة على أن أطفالنا يعون عمق الأزمة التي تمرُّ بنا, ويحاولون التعبير عنها بشتى السبل. وما نأمله من منظمة الطلائع أن تكون جادة في دعمها للإبداعات الطفلية, وإن أجرت مسابقات ثقافيَّة, فعليها أن تكون نزيهة وصادقة، فنيل المرتبة الأولى في المسابقة الثقافيَّة لغير المستحقين بالوساطة لا يصنع كاتباً ولا يعلي من شأن الفائز بها, خاصة أمام نفسه, فلن تكون إلا ثقلاً يركن فوق شخصيَّته, لأنه لن يستطيع نيل المرتبة الأولى مهما فعل، فالحالة الإبداعيَّة لا تشترى بالمال ولا بالواسطة, وهذا الكلام ينطبق على جميع المسابقات في كافة الوزارات.
نأمل الدعم الحقيقي على الصعيدين المادي والمعنوي, وهذا ممكن عندما تُلغى مراسم التكريم في الضيافة لمن لا طائل منهم سوى الوجاهة وضياع الوقت والخسارة على جميع الحالات, وممكن أيضاً عندما تضبط الأمور بحكم المنطق السليم, الضمير الحي.
نأمل لأطفالنا كل التوفيق أمام منظمة رائعة كانت الأمل الأخضر في عيني القائد الراحل (حافظ الأسد) هو من أسسها لتكون الرحم الدافئ لتنشئة أطفال المستقبل المشرق.
سريعة سليم حديد