زيت الزّيتون بين الإنتاج والاستهلاك والتَّصدير
قبل عقود من السنين، كان إنتاجنا من زيت الزيتون أقل بكثير مما هو عليه الآن، وكانت السّمنة العربية هي البديل عن الزيت لدى أسر المناطق التي لا تنتجه، وتزايد إنتاج الزيت إلى أن أصبحت سورية الأولى عربياً والرابعة دولياً، وخاصة بعد أن انتشرت زراعته بكثافة خلال العقدين الأخيرين في مناطق لم تكن تعهد زراعته، وما زال الإقبال على زراعة شجرة الزيتون قائماً، حتى أصبحت العديد من المناطق الجديدة مؤهّلة لأن تصبح لاحقاً هي الأولى في الإنتاج، خلافاً للمناطق القديمة التي تغيَّر مناخها وأنهِكت تربتها وهرمَت أشجارها وضعُف إنتاجها.
المؤسف أن ذلك ترافق مع هجمة استيراد الزيوت النباتية، التي بدأ الترويج عن فائدتها، لدرجة أن بعض الأطباء عمدوا إلى وصف بعض أنواع الزيوت النباتية /زيت الذرة وما شابه/ لمرضاهم، حتى غزت أسواقنا العديد من الزيوت المستوردة، ما تسبَّب في انخفاض أسعار زيت زيتوننا وكساده وقلة تصديره، وهنا نستذكر مبادرة رئيس دولة فنزويلا السابق شافيز التي ساهمت في تخفيف بعض مخزون المنتجين والتجار عندما حمل زجاجة زيت زيتون سورية مفاخراً بنوعيته على شاشات التلفزة.
اللافت في هذا السياق أن هذا المنتج المهم الذي كسد سنوات، وبِيعَ بأسعار زهيدة جداً قياساً إلى كلفته وفائدته وحاجته، ظهر من يهتمّ به فجأة ليقوم بشرائه وتوريده بأسعار مرتفعة منذ نحو سنتين، فتصل أسعاره إلى حوالي ستة أضعاف ما كانت عليه سابقاً، ما حرَّض المنتجين على بيع احتياطيّهم المعهود، بل بعض مؤونتهم بدافع الحاجة وأملاً بإنتاج قادم وفير، إلا أن الوفرة الموعودة لم تكن كالمعهودة، فالمناطق المنتجة له أصلاً تعاني من ضعف الإنتاج لعدة سنوات متتالية، وملايين الغراس الجديدة لم تصل إلى طور الإنتاج، ما أوقع المستهلكين في أزمة غلاء مترافقة مع شكاوى من نقص هذه المادة، وفيض من أنواع الزيوت النباتية المستوردة، ما دفع بعضهم -بمن في ذلك بعض المنتجين- باتجاه استهلاك المستورد أو خلطه مع المنتج المحلي، لضعف قدرتهم على شراء زيت الزيتون.
المفارقة تكمن في تفاوت أسعاره وتذبذبها محلياً، فالسعر العالمي لصفيحة الزيت سعة 16 كغ هو /10.3/ آلاف ليرة سورية حسبما أكده رئيس مكتب الزيتون في وزارة الزراعة في أحد تصريحاته مؤخراً، وأن سعره يصل إلى /11/ ألف ليرة في مناطق إنتاجه، و/16/ ألف ليرة في مناطق استهلاكه، وأفاد عن وجود /1.4/ مليون صفيحة زيت من الموسم الزراعي الفائت في ريف محافظة حلب، يتم العمل على نقلها إلى المحافظات الأخرى، لتحقيق حالة من التوازن، حيث إن السعر المحلي مرتفع في بعض المحافظات حتى المنتجة له، إذ يحوم حول /14/ ألف ليرة في طرطوس، ويقارب /18/ ألف ليرة في محافظة اللاذقية.
ونلفت هنا إلى نفي رئيس اتحاد المصدّرين أن يكون لتصدير زيت الزيتون أي أثر سلبي في توافر المادة محلياً، وأن عشرات آلاف العبوات معبّأة وجاهزة للبيع محلياً، ولا نقص في مادة زيت الزيتون في الأسواق، ومن مصلحة المزارع أن يحصل على الأسعار التي تناسبه لقاء زيته، وأن التصدير يحمي المنتج.
خلاصة القول: يعاني زيت الزيتون السوري من ضعف الإنتاج المتتابع وبشكل مخيف في المناطق الأولى لإنتاجه (اللاذقية وطرطوس)، ولا يلقى ذلك الإجراءات العلاجية الكافية من وزارة الزراعة مع الإشارة إلى أن قسماً كبيراً من غراس المناطق الجديدة لا يزال حديثاً، ما يستوجب أن تولي وزارة الزراعة مزيداً من الاهتمام لشجرة الزيتون التي يقول بعضهم إن زيتها أهم من زيت النفط المستخرج من الأرض، كما أن معاناة الإنتاج مترافقة مع معاناة خلل التسويق داخلياً وخارجياً، ما تسبَّب في اختناقات كثيرة تضرّ بالمنتج والمستهلك، ما يتطلب دخول الجهات الرسمية المعنية على الخط، لتنظيم تسويق إنتاج ومستلزمات هذه المادة، بما يضمن الحفاظ على موقع سورية في إنتاجها، فسياسة اقتصاد السوق بشأن مادة غذائية رئيسية ينتجها القطر، ضارة بالمنتج والمستهلك معاً، وضارة أكثر بالاقتصاد الوطني، والواقع يظهر أن الإمكانات موجودة، شريطة توفُّر من يجيد التمكُّن منها.
عبد اللطيف عباس شعبان
عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية