اقتصاد

وطن بحجم قارة

لن نفرد زاويتنا الأخيرة لهذا العام للحديث عمّا مضى، ولا لأمنيات القادم من الأيام، وإنما فضّلنا تخصيصها لما يقتضي المحافظة عليه والعمل على ترسيخه وتطويره، وخاصة في القطاع الزراعي بشقيه النباتي والحيواني، لكونه يرتبط عضوياً ومصيرياً بأمننا الغذائي وبالتالي بصلابة قرارنا الاقتصادي والسياسي.
للحقيقة ما دفعنا إلى هذا هو ما صرّح به وزير أسبق كان يشغل منصب وزير الاقتصاد في إحدى حكوماتنا السابقة، حيث قال: “سورية تنتج 7 ملايين طن خضار وفواكه وفي أسوأ أحوالها يمكنها إطعام 200 مليون، يهدر منها نحو 1.5 مليون طن، هذا إضافة إلى استيراد بقدر ما يُهدر أي 1.5 مليون طن أيضاً”.
الوزير أوضح أن القدرة الحقيقية وبوسائل إنتاج صحيحة قد ترفع الإنتاج ليصل إلى نحو ١٤ مليون طن، علماً أن متوسط استهلاك الفرد السنوي في مناطقنا نحو ٣٠٠ كيلوغرام من الخضار والفواكه، أي نحو ٢٤ كيلوغرام شهرياً”.
هذا وغيره، قدره الوزير -حسب قوله- تقديراً من خلال إحصاءات عالمية ومحلية ومن خبرة واهتمام شخصي بهذا الموضوع، مشيراً إلى أنه ليس هناك إحصاءات إجمالية جمعية رسمية للإنتاج.
لن نشكك بدقة الأرقام ومدى صحّتها، لأننا أصبحنا على قناعة أن سورية وطن بحجم قارة، قناعة أكدها فلاحنا وأكدتها أسواقنا يومياً وعلى مدار أربع سنوات من الحرب الكونية الإرهابية على سورية، إذ لا تزال أسواقنا وشوارعنا عامرة يومياً بما ذكره الوزير.
وما اعتبره بعضهم “مفاجأة اقتصادية كبيرة”، في تعليق على ما “فجره” الوزير، نراه عكس ذلك ولكن على ما يبدو أن للتوقيت والظرف فعلهما.
ولو أردنا فيما يتسع من مساحة هنا، عرض بيّنتنا لاتضح أن ما كشفه الوزير له العميق من الأساس والكثير من الصحة والحقيقة، وبحسبة ذهنية سريعة قد نصل إلى نصف الرقم الذي باستطاعة هذه الأرض المباركة إطعامه من الخضار والفواكه.
لو أخذنا 23 مليون سوري و10 ملايين سائح وعابر، وهذا فضلاً عن المقيمين في سورية من الأجانب والعرب، ونصف سكان لبنان والأردن والعراق والخليج العربي وسطياً، وبعض الدول الأخرى التي كانت فواكهنا وخضرواتنا ولحوم ضأننا ودجاجنا وبيضه، تصدّر إليها قبل الأزمة، لكانت النتيجة في حدّها الأدنى 100 مليون نسمة.
للعلم فقط، وكنا قد نشرنا ذلك ونبّهنا إليه، كان الأشقاء الأردنيون يومياً يتبضّعون من أسواق درعا، لدرجة أن سوق هالها يكاد لا تنقضي الساعة 12 ظهراً عليه، حتى يكون خالياً من أية فاكهة أو خضرة أو لحوم وغير ذلك من المواد التموينية.
أرقام ومعلومات نكتفي أن نقول فيها: إنها الأمانة ربما الأغلى في محيط وعالم كل التقديرات والمؤشرات تنبئ عن أن المقبل من أزمات غذائية عليه مقلق، والمتابع لهذا الموضوع –مثلاً– في دول الخليج يعلم ما أصبحت تعاني منه في هذا الشأن لناحية توفر المواد وارتفاع أسعارها والتحدّيات التي بدأت تضغط في هذا المجال.
أمانة.. تحتاج إلى من يحملها على محمل الجدّ، لأنها تؤكد أننا بلد زراعي بامتياز، مهما حاول المحاولون تصنيعه وخَدْمَنَتَهُ.. وفهمكم كفاية.
قسيم دحدل
Qassim1965@gmail.com