“البنيات الدالة على الحياة والموت في شعر فايز خضور”
لما كان الشعر أو الفنُّ عامةً هو المرشح الأول للحديث عن أحلامنا بوصفها مزيجاً معقداً من الوعي واللاوعي معاً، من الحاجة والخوف والأمن والألم والسعادة والحزن، من الماضي بما فيه، ومن الحاضر بكل همومه ومسرّاته، ومن المستقبل بكل مخاوفه وأمانيه، فقد كان لا بدّ من الوقوف على إحدى التجارب الشعرية التي احتضنت ذلك المزيج المعقد، وهي تجربة فايز خضور الشعرية من خلال الناقد مجد سليمان رزق وعبر كتابه الصادر حديثاً بعنوان: البنيات الدالة على الحياة والموت في شعر فايز خضور والذي يبين فيه رزق ما اتسمت به تجربته من فرادة والتي ترتسم ملامحها في امتداد هذه التجربة على مساحة عريضة من الزمن، شهد المجتمع العربيّ خلالها تحولات كبيرة وطارئة في البنى السياسية والاجتماعية والتاريخية، تبعها تحوّل صارم في بنية الشعر والفن عامةً على مستوى الشكل والمضمون، وصدورها عن الهمِّ الفرديّ للشاعر بوصفه ممثلاً لصوت الجماعة، متماهياً فيها ومعبِّراً عنها، إلى جانب تميّز هذه التجربة بما تزخر به من عناصر ومقومات ثقافية ولغوية وجمالية متنوعة تعمل على إثارة الجدلية بين القديم والحديث، وتهدف إلى تصحيح الفكر، وتعميق القيم القومية العربية، بالإضافة إلى إمكانية النظر إلى هذه التجربة على أنها أحد المفاصل الرئيسة والهامة في حركة الحداثة الشعرية العربية.
المرأة والطبيعة والموت
ويشير رزق إلى أن البحث الموسوم بـ “البنيات الدالة على الحياة والموت في شعر فايز خضور” يطمح إلى دراسة البنيات الداخلة في تكوين الخطاب الشعريّ، وهي بنيات متعالقة بالضرورة برأيه، تكشف عن رؤية صدر عنها الشاعر في خطابه، وهي رؤية ناجمة عن الجدلية القائمة بين طرفَي الحياة والموت، موضحاً أن العمل فيه يقوم على فرز تلك البنيات واختبارها اختباراً يراعي طبيعتها التعالقية والالتحامية وفق ما وردت فيه من سياقات دلالية وأبرزها: بنية الموروث الأدبي والديني والأسطوري، وبنية الصورة الشعرية، إضافة إلى بنيات مرتبطة بالبنيات السابقة جاءت في سياق التطبيق العمليّ دون إفرادها في فصول خاصة كالبنية الإيقاعية وبنية الزمن وبنية التكرار، وهذه البنيات جميعاً تدور في فلك فضاءات بنيوية كبرى ذات تجليات عديدة هي: المرأة والطبيعة والموت وما هو قائم بين تلك البنيات من علاقات جدلية وتجانسية.
كما يوضح رزق أن أسباب اختيار هذا البحث موضوعاً للدراسة يعود لرغبته في اختبار العلاقة بين تجربة خضور الشعرية وبين الواقع الاجتماعيّ عامةً بالنظر إلى الشعر على أنه بنية لغوية معرفية جمالية صادرة في جانب عن الهمّ الفرديّ والهمّ الجماعيّ في آن والممثّلة في جانب آخر لأحلام الفرد في ظل الجماعة، واختبار البنيات اللغوية المشكّلة لخطابه الشعريّ من حيث آلية عملها داخل النصّ ومدى نجاحها أو عدمه بما يخدم أو يتوافق مع مقوّمات الحداثة الشعرية، وللكشف عن العناصر والتقنيات التي أفاد منها الشاعر وآليات توظيفها في بناء القصيدة الحديثة المتكاملة، والكشف كذلك عن طبيعة الرؤية التي صدر عنها الشاعر في تشكيل خطابه الشعريّ من خلال اختبار الثنائيات الداخلة في تكوّن هذا الخطاب.
أما عن المنهج المعتمد في الدراسة فهو كما يبين رزق المنهج البنيويّ الذي يذهب إلى أن العلاقة بين النص الأدبيّ والمحيط الذي نشأ فيه علاقة جدلية، فالأدب نتاج اجتماعيّ، وعملية الإبداع هي تعبير عن الفرد ضمن الجماعة، إضافة إلى نظرة هذا المنهج إلى البنية اللغوية على أنها تتمثل في العلاقات التي تحكم أنساقها المكوّنة وأن لكلٍّ من هذه الأنساق وعناصرها خصائصها التي تسهم في البناء الكلّي وذلك بهدف الوصول إلى محاولة فهم المستويات المتعددة للأعمال الأدبية ودراسة علائقها وتراتبها والعناصر المهيمنة على غيرها وكيفية توالدها وأدائها لوظائفها الجمالية والشعرية وكيفية تجسيدها لرؤية المبدع للعالم من حوله.
تجليات الموت
وفي ضوء ما سبق تم تقسيم البحث في بابين اثنين: يشتمل الباب الأول على البنيات الكبرى مدرجة في ثلاثة فصول، يتضمن الفصل الأول منها “تجليات الحياة.. المرأة والطبيعة” بدلالاتها المختلفة، والفصل الثاني “تجليات الموت” بدلالاتها الصريحة والضمنية، والفصل الثالث “الموت المتصل بالحياة.. الانبعاث” وما يتكشف عنه من رؤية جدلية من خلال آلية التوظيف الأسطوريّ المتنوع، ويأتي الباب الثاني لوضع هذه البنيات موضع التطبيق والاختبار بشكل أوسع وأعمق وأدقّ وذلك من خلال دراسة البنيات اللغوية المشكّلة للبنيات السابقة وهي مدرجة في ثلاثة فصول أيضاً، يتضمن الأول منها “لغة الموروث” بتنوعاته المختلفة من دينية وأسطورية وأدبية، ويتضمن الثاني “لغة الصورة السمعية والبصرية” بشقيها المعتمدين: المطبوع (اللاواعي) والمصنوع (الذهني) وأما الفصل الثالث فإنه يشتمل على تحليل كامل للعديد من النصوص الشعرية المنتقاة وفق ركائز بنائية تعمل بشكل متداخل ومنسجم.. ويفضي البحث أخيراً إلى خاتمة تؤكد جملة من الأمور منها: أن تجربة فايز خضور تمثلت فيها على مستوى الشكل والمضمون حضارة الماضي بأصالتها العربية، وإبداع الحاضر في نزوعه نحو بناء المجتمع الجديد والإنسان الجديد.
الكتاب صادر عن وزارة الثقافة – الهيئة العامة السورية للكتاب – 2014
أمينة عباس