ثقافة الحياة هي الأبقى
لأن ثقافة المقاومة هي ثقافة الحياة بامتياز، ثقافة من يذهبون بوعي واختيار إلى ما يكرس الحياة نهجاً يومياً/ مستقبلياً، لعل السينما هنا في تعبير صورها وهي تذهب إلى ما نعنيه بالفيلم المقاوم، أي الثقافة الإنسانية العالية التي تحتفي بالإنسان وبمنظومته القيمية الأكثر ارتباطاً بالزمان والمكان وهي جدلية حاضرة على امتداد أسبوع مهرجان أفلام المقاومة، التي تُعرض في دار الأوبرا مع ما أنتجته مؤسسة المهرجان الدولي لأفلام المقاومة في إيران لنقف مع الانفتاح على التقنيات الهائلة للسينما الإيرانية وتقاليدها الكبيرة وحساسية الصورة كما الرؤية بموازاة القضايا الكبيرة، هو الأقدر اليوم على تعبير سينما مقاومة، وهنا دلالة انفتاح كلمة مقاومة على ما يبعث الحياة ويناهض القبح والظلام والإرهاب، انحيازاً لجمالية الإنسان في تماسكه وفي بطولته الفردية/الجمعية، والتي تكرسها مقولات باذخة المعنى باتجاه ما يصنع القيمة من الوجود الإنساني على مستوى الأمثولات الراسخة التي تُمتحن ساعة الحقيقة، ليظهر جمالها الخفي تعبيراً يرتقي بالأفكار، بل ويطلقها في فضاء طليق، إذ الإنسانية هنا حجر الرحى في أتون الحرب والسلام وصولاً إلى الانعتاق من الاستكبار العالمي ومن ربقة الجهل، كل ذلك لاستعادة إنسانية الإنسان وهو في قلب المحنة وفي دائرته الحضارية الأشمل، ما تعنيه المقاومة هنا أكثر من دالة وأكثر من معنى، وكثافة تلك المعاني أن ما يبقى على الأرض هو تراث الروح المكتنزة بالثراء وبدهشة المعرفة والاكتشاف، كيف تترجم الحياة ذاتها كل تلك الأمثولات التي تُمتحن أمام حقائقها مالم يكن الإنسان حاضراً في كل جزئياتها ودقائقها ليؤلف ذلك المعنى المنشود، أي في مقاومة العتمة والانغلاق ليصبح كله شمساً ولتكون كلمته هي الحقيقة المكتفية عند امتحانها أيضاً، وبمعنى آخر نذهب إلى امتداح تلك البطولة الجمعية التي تكرسها السينما في أمثولاتها الحية وفي أشكال معالجتها لوقائع بعينها، تلك هي خلاصة الأثر في المعادل البصري والرؤيوي والفكري الذي ينتج الجمال كقيمة متحققة تنتصر للزمن ليخلد بها وتنتصر للتاريخ ليظل حاضراً، وتنتصر للإنسان/القيمة رغم آلامه ومكابداته ليظهر عالمه الأكبر في أن يُنتج شرطه الإنساني إزاء كل متحول وانتقاص من دوره ووجوده.
تلك هي جملة دلالات بثها فيلم الافتتاح في مهرجان أفلام المقاومة الذي أقيم بالتعاون ما بين المستشارية الثقافية لسفارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية والمؤسسة العامة للسينما في سورية بإرثهما العميق في صناعة هذه الأفلام.
فيلم «حب الحياة» -وهو أحدث الانتاجات الإيرانية- يكرس الإنسان كأنبل ظاهرة على الأرض في لحظة الحقيقة إبان الحرب وكيف يكتشف هذا الإنسان كل عوالمه التي تشتق بطولته وجسارته في فعل المستحيل، وتشتق أيضاً ما هو عابر للزمان والمكان حفاوة بالمثال/الواقع في معادل بصري درامي هو الأقدر بتعبير صور السينما على إشادة تلك الأكوان البديعة من علاقة الإنسان بالآخر اكتشافاً وانطلاقاً من الذات القادرة على اجتراح معجزة الحياة أمام الموت الآتي من كل حدب وصوب، ينهض الفيلم على لغة متماسكة تقول بأن قدر الشمس أن تأتي من الأعلى، وأن البصيرة هي من تدرك أوان الشمس في مقولة الفيلم النهائية، وأن البطولة الجماعية لمن كانوا حاضرين على امتداد الفيلم هي قيمة بذاتها وهي معيار كذلك، لأن نرتقي ليس بواجبنا وبمهننا الإنسانية فحسب، بل أن نكتشف ونحن في قلب العتمة أننا نمتلك العالم لنكون أحراراً، حتى تكتمل دلالة المقاومة، إن في المقاومة حياة.
أحمد علي هلال