“الثلج.. ثروة وطنية”؟!
سمّوها “زينة أم هدى أم……”، كلها نعوت تصحّ عند النرجسيين والحالمين وأصحاب المخيلة الافتراضية لمناخات وطقوس الثلوج المكتنزة بالجمال والرخاء البصري المقرون بمفاعيل “الثلج ومخزون المرج” المدفون تحت طبقات بلورات الجليد البيضاء. لكن على الأرض وبوخز إبرة الواقع ثمّة تحديات يتناولها السوريون بألم تارة وابتسامة سوداء تارة أخرى، إن بدأت عند لعنة البرد والجوع لمستلزمات التدفئة من مازوت وكهرباء، فلن تنتهي عند كارثية الإعصار أياً تكن مسمياته التي لن تغيّر في خسائر الفلاح ولا أضرار الخدمات شيئاً، لأن الثمن الذي حلّ سيلحق كل الجيوب “عامة كانت أم خاصة”!.
قد تكون أعطال ومخلفات العاصفة أمراً لا مفر منه في يوميات الطبيعة التي مهما غضبت فلن تكون بمستوى أذى القاطنين فيها، ولا تعدو المحاصيل التي ضربت والطرقات التي تعطلت والشبكات الكهربائية والهاتفية التي وقعت والنشاطات التي توقفت والحركة التي جمدت إلا حالة طبيعية لا تذكر أمام النتائج الإستراتيجية للكميات الهائلة من الثلوج التي أنعمت علينا بها السماء. وما التعليق المقتضب الذي أدلى به رئيس مجلس الوزراء الدكتور وائل الحلقي وهو يعبّر عن سرور الفرد ومشاركة المسؤول بالثلج إلا اختصاراً لما هو أهم من كل ما يتقاذفه متشاطرو فراغ وضجر مكسب العطلة للموظف والطالب من هفوات وكلمات “لتعبئة الفراغ والوقت المهدور”، وبالتالي كانت عبارات من قبيل “إنها بشرى خير على وطننا وسنعمل بكل جهد للمحافظة على هذه الثروة الوطنية من خلال دعم مستلزمات الإنتاج الزراعي وتعبئة السدود وتنمية كافة القطاعات الخدمية والتنموية”.
الثلج لمن يدرك العمل ويعرف قيم العطاءات “ثروة وطنية” وليس عبئاً سوى على من يعيشون على هامش التأفف وكيل التهم وتحميل المسؤوليات، فأن تدرس ما صنعته الطبيعة من إنتاج خير من أن تلعن ظلام انقطاع الكهرباء وهجوم البرد، لأن أياماً معدودات من قدوم عاصفتين مزدوجتين كانت كفيلة بتغيير وجه الحامل الأهم للحياة الاقتصادية والمعيشية ألا وهو الزراعة التي ضمنت لها الكميات الهائلة من الثلوج “ملح الأرض” والمسبّب الوحيد لمخزون الأرض وما فوقها من مياه جوفية وأنهار وآبار وسدود، وبالتالي ثمة احتياطي استراتيجي جاءت به ما اصطلح على تسميها “زينة أو هدى…”، وهذا الأهم، والمهم في هذا الحدث الاستثناء الذي يعوّض موسماً سابقاً من الجفاف والعطش الذي دبّ في أغلب المناطق وحتى تلك التي توسم بأنها مناطق استقرار أولى بالمياه والأمطار، حيث شبعت الصحافة مواكبة لشكاوى قلة المياه وانقطاعها إن كان للشرب أو الري الخاص بالزراعة والمواشي؟!.
المعطى الآخر الذي أتى عليه الدكتور “الحلقي” كان الوعد بأن يكون دعم مستلزمات الإنتاج الزراعي محطّ عناية وأولوية في الموسم القادم، على اعتبار أن الأحوال الجوية لم تبخل، وبالتالي باتت الكرة في ملعب المؤسسات الحكومية والمنظماتية لخدمة الأعمال الفلاحية والعاملين فيها من أكبر مزارع حتى أصغر فلاح يشكل نواة في “حاكورته” و”سكوباته” وبيدره وبستانه الصغير، وهؤلاء الحلقة الأهم في تراتبية الاهتمام الرسمي.. وهذا حريّ بالجمعيات الفلاحية والوحدات الإرشادية أن تكون في صلبه من تأمين الاحتياجات من بذار وسماد ومستلزمات أشار إليها رئيس مجلس الوزراء في معرض احتفائه بالثلج.. لا أن يكون المزارع في أريافنا فرصة للمتاجرة لمن يفترض أن يمثله ويدعمه في لجان التعويض عن الأضرار وتأمين وسائل زراعتنا الميمونة؟!.
علي بلال قاسم