ثقافة

الســـوريـــون وزينـــة

الحياة تليق بالسوريين، تليق بفهمهم العميق لها، بألفتهم ومحبتهم التي فطروا عليها، فالخطوب وإن تنوعت والمصاعب وإن تراكمت فإنها لن تثنيهم عن الرد على التراجيديا بالكوميديا وعلى الظروف القاسية إلا بالمزيد من السخرية والمحبة.
لن تكون العاصفة الثلجية “زينة” التي زارت البلاد وأرخت فوق أغلب مناطقها حمولتها من الندف البيضاء والتي تم التحذير من برودتها الشديدة، إلا فسحة للفرح وتوجيه الشكر والعرفان بالجميل والضحك وإلقاء النكت المتهكمة، وسيكون  للحزن الشفيف وللحنين والحب والنجوى جانبا ليس خافيا في الشجون التي أثارها هذا الزائر الأبيض في نفوسهم.حماة الديار والثلج
صور ملأت مواقع التواصل الاجتماعي لمجموعة من الشباب عراة الصدر، يمرحون  بالثلج وإلى جانبهم تتكئ صديقتهم الكلاشينكوف لتتفرج عليهم وهم سعداء كالأطفال بهدايا الرب البيضاء النقية، بعد أن خبرت رجولتهم وصلابتهم على الأيام وضروبها. إنهم رجال الجيش العربي السوري يأخذون إجازة صغيرة للمرح قبل أن يشعلوا قلوبهم لندفأ على وهج محبتها. ليقم بعدها الكثير من السوريين بمشاركة صور حماة ديارهم على صفحاتهم الاجتماعية وكتابة تعليقات امتنان وشكر وأمنيات عليها.
الإعلامية القديرة “نهلة السوسو” كتبت على صفحتها: “الأبيض هو لون روح هذه الأرض وقلبها، طوبى لمن أرغموا البرد على الهزيمة، ورقدت عيونهم في استراحة المحارب، ورفاقهم لا يرفعون اليد عن الزناد ريثما تنهض الشمس ويعيدوننا إلى الصباح من جديد”.
أما مديرة دار الفنون “رحاب ناصر” فعلقت على صورة لبواسلنا المتواجدين في جبهات القتال جنبا إلى جنب مع أسلحتهم وإيمانهم، ثابتون راسخون في الأرض وكأن الثلج رفيقهم لا عبئا مضافا عليهم بقولها: “ولاد الأرض السمرا ضحكتهم هدارة” المطلع الشهير لأغنية مسلسل”هجرة القلوب إلى القلوب.
الإعلامية “زينة مخلوف” توجهت بعميق شكرها وامتنانها لرجال الحق الذين صار الوطن كل الوطن بساحاته وشوارعه وبيادره بيتا لهم، حيث كتبت على حسابها الأزرق ما يلي: “في هذه الليالي الباردة رجال اتخذوا مفترق الطرق بيتا لهم لينام الوطن بأمان رجال الجيش العربي السوري الله يحميكن ويارب الدفا يلي بقلوبكن يرد عنكن هالبرد”.
الشاعر “رضوان أحمد” وجد أن لا مجال للتشبيه بين نقاء وبياض سريرة وقلوب رجال الحق وبين أي ابيض آخر كالثلج أو الياسمين، حيث أورد على صفحته الشخصية: “بالإذن من بياض الياسمين الموارب، الصدق في شقائق النعمان المحارب”.
المحامي “عروة أسد” قال: “إن كان ثمة فرح يغمر الأطفال والكبار بالثلج، فأنتم من رسمتموه فوق وجوههم وأنتم من جعلتموه حقيقة ووعدا بالنصر القريب، طوبى لكم وأنتم تهدوننا الحياة والفرح من دفء قلوبكم”.
الممثلة هيمى إسماعيل علقت: “أﻳﻬﺎ ﺍﻟﻮﺍﻗﻔﻮﻥ ﻋﻠﻰ ﻣﻔﺎﺭﻕ ﺍﻟﻐﺮﺑﺔ ﻭﺍﻟﺜﻠﺞ ﻭﺍﻟﻤﻮﺕ ﻭﺍﻟﺤﻨﻴﻦ أﺷﻬﺪ أن ﻻ‌ ﺳﻮﺭﻳﺔ ﻟﻮﻻ‌ﻛﻢ، ﻳﺎ ﺑﺮﺩ ﻛﻦ ﺩﻓﺌﺎ ﻭﺳﻼ‌ﻣﺎ ﻋﻠﻰ ﺟﻨﻮﺩ ﺍﻟﻮﻃﻦ ﺣﻤﺎﺓ ﺍﻷ‌ﺭﺽ ﻭﺍﻟﻌﺮﺽ”.

روح السوريين وزينة
فرحة السوريين بالثلج رغم شح مواد التدفئة من المحروقات والارتفاع الكبير لسعرها والانقطاع المستمر للكهرباء، هي جزء من نهجهم في الحياة وطريقتهم المثلى للرد على الظروف القاسية بمنطق قوة الحياة المغروس في أرواحهم، حيث حملت مواقع التواصل الاجتماعي بعد أن أجبرت زينة الناس التزام منازلهم، الكثير من جوانبهم المرحة التي تعيدهم أطفالاً في لحظات، فهاهو الفنان “جوان قرجولي” مدير دار الأسد للثقافة والفنون يعبر عن فرحته العارمة بالعاصفة الثلجية، التي جاءت لتريحه من عبء العمل قليلا، حيث كتب على صفحته الشخصية في الفيس بوك: “مافي دوام، هييييييييييي، زينة تمثلني”.
ليضيف “قرجولي” أيضا في “بوست” آخر بعد أن أخبرت نشرات الطقس عن قدوم عاصفة ثلجية جديدة جاء فيه بمرح طفولي: “رجع الثلج ينزل مرة تانية يعني بكرا مافي مدرسة، زينة أنت عظيمة”!
الممثلة تولاي هارون أيضا أوردت تعليقا مرحا على “زينة” العاصفة، محذرة زوج “زينة” من عواقب أن يدع زوجته تروح وتجيء بين الناس ببرودتها الثلجية، حيث كتبت “هارون”: “جوز زينة سكت مرتك يا صالحها أي فهمنا إنها قوية وإذا حكت بتخرب الدنيا قلها حاجة ولا حضرتك مابتسترجي تحكي معها وهي معصبة”.
المخرج السينمائي الشاب “المهند كلثوم” وضع على صفحته الشخصية صورة للثلج الغزير المتساقط فوق بيته وكتب تعليقا يتساءل فيه: “إن كانت زينة أو هدى هي العاصفة الزائرة، حيث تضاربت التسميات للعاصفة الثلجية بين زينة وهدى”.
وتابع مخرج فيلم “توتر عالي” على صفحته أيضا: “كي لا أنسى كل صبية اسمها زينة مدري هدى. حابة تتصور سيلفي معي تنسحب انسحاب تكتيكي من الأجواء حتى إشعار آخر، لأنو مو حلوة نكتب عالصورة الجليد بيجمعنا”!!
الإعلامية “أليسار معلا” وضعت صورة شخصية لها وهي تذوق طعم الثلج وكتبت: “اللعب بالتلج صارت قديمة أنا فطرت تلج”. إلا أنها عادت لتكتب بسخرية لا تخلو من المرح عن البرد الذي أصابها حيث قالت: “من القهر المعنوي الناتج عن البرد حاسة حالي بدي أبكي بحضن الصوبيا”.
دانا علي: “عفكرة اشتقت كتير لبياع المازوت اشتقت لصوتو الاوبرالي: مازووووت، وينك يا زلمي ووين العرباية ارجعلنا ارجعلنا دخيلك ارجعلنا عايشين تحت البطانية ورجلينا بووووظ وما عم ينفع شي ارجعلنا ارجعلنا”.
مشاعر هيجها الثلج ببياض نبوءته
لم تغب مشاعر الحنين والحزن عن الصفحات الزرقاء، بعد أن هيأ الثلج ببياضه الفاتن في النفس متكئاً للذكرى والشكوى. فهاهي هي “عفراء هدبا” معدة برامج في التلفزيون العربي السوري تفيض دواخلها بما اعتمل فيها بعد أن لامس الثلج في أعماقها ما لامس من ذكريات، حيث أوردت على حسابها الإلكتروني: “يا ثلجُ قد هيّجت أحزاني”.
المشاعر ذاتها انسحبت على الممثلة الشابة “علا الباشا” التي وجدت أن ما يفرح بعض الناس يسبب حزنا عميقا لغيرهم، وكتبت “باشا”: “ناس عم تلعب بالتلج وناس عم تموت من التلج سبحان اللي بيخلي نفس الشي اللي بيفرح ناس يقتل ناس”.
أما الشاعر “سامي أحمد” فقد وجد الجمال الحقيقي في ذالك التضاد العميق بين النار وندف الثلج، حيث رأى أن جمال الثلج يتجلى لحظة ملامسته للنار ليذوب في حضنها فقال: “ما أجمل الثلج ما إن يلامس النار حتى يذوب”.
الممثلة المسرحية “ريم نبيعة” رأت بأن الفرح الذي كان يهيجه مرأى الثلج في النفوس، لم يعد كما هو، فهذا الأبيض البارد جاء ليزيد من عذابات الفقراء ومعاناتهم، بعد أن صارت المواد اللازمة للتدفئة حكرا على قوم دون آخرين. حيث كتبت على صفحتها: “قل لي إن كان لديك مازوت، أقل لك من أنت”.
العديد من الذين رجعت أرواح أحبائهم إليهم وبقيت جثامينهم غائبة عن مثواها الأخير طلبوا إلى الثلج أن يكون حنونا بأحبابهم وليحفظ جثامينهم ريثما يأتي الربيع فتورق أرواحهم بيادر قمح وأمل بفرج قريب.
السوريون كعادتهم في حياتهم اليومية لن يفوتوا فرصة للفرح والتندر والبهجة حتى وهم يمرون بأوقات عصيبة في كل شيء.

تمام علي بركات