أهمية التوافق بين ما نأمل وما نعمل
كل عام وأنتم بخير، جملة تعوّدنا أن يقولها كل منا للآخر، (مع نهاية وبداية كل عام، وفي مناسبات الأعياد)، على تعدُّد مؤهلاتنا وثقافاتنا، وتنوّع أعمالنا، وكل منا ينشُد ويفسِح بالتمنِّي، ويأمل حلول الأمن وتوفر فرص العمل وتحقق الإصلاح بكافة مناحيه، ومكافحة الفساد بكافة أشكاله، واستقامة المسؤولين، وتعديل القوانين باتجاه الأفضل، وتحقق النجاح للطلاب والتيسير في السفر والتوفيق في العمل، وتوفر المواد على أنواعها وتعددها وانخفاض الأسعار… إلخ.
وغالباً يغيب عن بال كثيرين أن ما يعمله كل منا هو المدخل الأولِّي والأساس لتحقيق ما يتمناه، ولكل دوره وفي شتَّى المجالات.
ومن الخطأ الكبير أنْ يقول أحدهم: إنَّني غير معنيّ بهذا الأمر أو ذاك، فتحقيق الأمن يستوجب أن يساهم كل مواطن بالدلالة على المخلِّين به عبر أكثر من وسيلة، وكذلك الانضواء في صفوف المنظمات الوطنية وقوات الدفاع الوطني، لا أن يرى أن ذلك ملقى فقط على عاتق من هم حالياً في الجيش والمدعوين إلى الاحتياط وتأدية الخدمة الإلزامبة المعنيين بالالتحاق فور تبلغهم للمشاركة في مكافحة المعتدين على الوطن وحماة دياره.
كما أن تحقيق فرص العمل يستوجب أن يبحث كل عاطلٍ عن خلق فرصة عمل بنفسه، لا أن ينتظر تعيينه في الإدارات العامة، التي تضيق ذرعاً بمن فيها، فذوو الشهداء (ومن في حكمهم) هم الأحق بنصف الفرص القليلة التي قد يتمّ إحداثها.
أيضاً فإن تحقيق الإصلاح يستوجب أن يتجنَّب كل منا أي تخريب وأن يدلل على كل مرتكب للخلل، وأن يسارع لتقديم خبرته في إصلاح كل خلل يراه ما استطاع ذلك، تطوعاً أو تكليفاً أو تلبيةً لدعوة.
وتحقيق مكافحة الفساد يستوجب من راغبه أن يجتنّب ارتكاب أي نوع من أشكاله، ومجابهة آنية ومباشرة لكل مرتكب له باللسان وباليد، وكذلك فإن تحقيق استقامة المسؤولين يتطلب عدم السكوت على أخطائهم أو إساءاتهم، أو التستر على عيوبهم ونواقصهم، بل الجرأة في الدلالة على كل ذلك، بالتوازي مع الإجلال والتقدير وبالصوت العالي لكل أداء حسن.
وتعديل القوانين نحو الأفضل يتطلّب العمل بالأفضل الموجود، وليس الانتقاص منه، على أن يتم تعديل الأسوأ -بكل صدق وإخلاص– نحو الأفضل فعلاً، لا أن نعدِّل نحو الأسوأ ومن ثم نجد الحاجة ماسة لإعادة التعديل من جديد، كما جرى لكثير من القوانين التي تم تعديلها أو إصدارها خلال السنوات الماضية.
وتحقيق التوفيق في العمل يستوجب من كل عامل أنْ يؤدي عمله بجودة عالية وبإنتاجية تزيد عمّا يتقاضاه من أجر.
وتحقق توفر المواد وانخفاض الأسعار يتطلَّب أن يعمل كل مواطن لأن يكون منتجاً لكثيرٍ من حاجاته، ولا يشتري ما لا حاجة ماسة له، مع تفضيل السلعة المحلية على السلعة الأجنبية، وألا يتردّد في الشَّكوى على المستغلين والمحتكرين، والعزوف الكلي أو الجزئي عن استهلاك المواد التي ترتفع أسعارها.
وتحقق النجاح للطلاب يستوجب العمل باتجاه الاستفادة من الانفاق الكبيرالذي تنفقه الدولة على الكادر التعليمي وعلى القاعات التدريسية الكبيرة المجهزّة لذلك في كافة مراحل التعليم، لا أن نحِيد عن هذا باتجاه الساعات المنزلية في الغرف الضيقة، وعلى أيدي من يتاجرون بالجيل. وتحقق التيسير في السَّفر يستوجب أنْ يعي كلٌّ منا أين يسير، وأنَّ كثيراً من حوادث السير لاتعود لعنجهية سائقي المركبات أكثر مما تعود لهمجية المشاة وراكبي الدراجات، فكثير من الحوادث تستوجب أن نقول: إن المصاب هو من ضرب السيارة وليست السيارة هي التي ضربته.
إن الخير الذي نتمنَّاه يتطلَّب منَّا العمل الحثيث باتجاه تحقيقه، فخيرنا الذي نرجوه اجتماعياً واقتصادياً، فردياً ومؤسساتياً ووطنياً، محكومٌ بمدى التَّوافق بين ما نأمله وما نعمله، فتحقيق الأمل مرهونٌ بمزيدٍ من العمل، وكل عام وأنتم بخير.
عبد اللطيف عباس شعبان
عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية