الورقة الرابحة في خطر!
يمكن لأي زائر للريف السوري مشاهدة المساحات الزراعية التي يتمتّع بها بلدنا، وتشكّل صمّام الأمان لأمننا الغذائي، وخاصة ما تنتجه من محاصيل إستراتيجية كالقمح والقطن والزيتون..الخ، ما يجعلها أوراقاً رابحة بيد الحكومة السورية أوقات الأزمات، فهذه الأوراق تبقى بشكل أو بآخر حصناً وملاذاً آمناً يمكنانا من الاعتماد على ذاتنا.
لكن ما يحزُّ في نفس كل غيور على وطنه ومستقبله، هو أن نرى تراجع نسبة الحيازات الزراعية التي تتقلّص عاماً بعد عام على مرأى كل من الحكومة والمواطن، فالأولى لم تتدخل بالشكل الأمثل لدعم المساحات المزروعة عبر سياسات وإستراتيجيات واضحة وشفافة تضمن الحفاظ عليها واستمرارها بالعطاء والتنمية، كما أن غياب وعي الشريك الثاني «المواطن» كان جليّاً من خلال استهتار البعض بأراضيهم، إما بهجرانها وعدم استثمارها، أو بلجوء بعضهم الآخر لتكثيف استثمارها بهدف تحصيل أكثر من موسم خلال عام واحد، الأمر الذي يرهق تربتها دون الاكتراث باستنزاف موادها العضوية والحيوية.
ولعلّ إحدى أهم التعديات هي المساهمة بتقليص مساحات الأراضي الزراعية والتي تتمثّل بالتوسع العمراني الأفقي مع تجاهل البناء الطابقي الأقل تأثيراً بتعديه على الأراضي الزراعية، إضافة إلى المبالغة -في بعض الأحيان- بتوسيع المخطط الإقليمي لبعض البلدات والقرى، وما ينتج عنه من قلع للأشجار وتقطيع أواصر الحقول والبساتين الزراعية بلا مبرر، ودون أن تأخذ الجهات المعنية الاعتراضات المقدّمة من قبل المتضررين من الأهالي بعين الاعتبار لتعديل ما يمكن تعديله وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الأراضي الزراعية من الغزو البيتوني المسلح، ناهيكم عن التعدي البيئي الكبير والمتمثّل بتصريف المياه المالحة الآسنة ورميها في الأراضي الزراعية تحت جنح الظلام، وهذه قصة أخرى أكثر إيلاماً مما سبق، فإلى جانب ما تلحقه هذه الظاهرة من أضرار بالتربة وإخراجها من المنظومة الزراعية، هناك أضرار بيئية وصحية ناتجة عنها.
ولعلّ الأدهى هنا هو ما تمارسه بعض فعاليات القطاع الخاص الصناعية من تجاوزات في هذا المجال من خلال تصريف مخلفات مصانعها إلى الأراضي الزراعية والوديان المجاورة دون مراعاة الحدود الدنيا من الشروط البيئية والصحية.. مواضيع عاجلة لا تقلّ عما نواجهه وتقتضي التحرك.
حسن النابلسي
hasanla@yahoo.com