اقتصاد

بعد أن أحدث “الشطار” الخلل.. المشــهد العقــاري الســوري أصبــح عصيــاً على التغييــر!!

لعلنا لا نأتي بجديد إن قلنا بأن العقار السوري بات أشبه بلغز عصيّ حلّه على معظم المراقبين وخبراء السوق، وذلك لاعتبارات لا تتعلق فقط بعدم انخفاض أسعاره أو استقرارها ضمن هامش تتحرك ضمنه فحسب، بل لجنوحها بشكل لا يتناسب مع الواقع المعيشي من جهة ولا مع المؤهلات الحقيقية والصفات الفنية والعمرانية الملموسة والموقع الجغرافي لأي وحدة سكنية أو تجارية من جهة ثانية، فمن غير المعقول على -سبيل المثال لا الحصر- أن يصل سعر شقة في ضواحي دمشق لا تتجاوز مساحتها الـ35 م2 إلى 2.5 مليون ليرة سورية، وأن يبلغ سعر المتر التجاري الـ300 ألف ليرة سورية في منطقة ليست تجارية.بحث وتقصٍّ
لدى البحث والتقصي عن أسباب هذا الارتفاع يتبين أنها غير مرتبطة بالنواحي الفنية والاقتصادية، وإنما مرتبطة بالمزاجية المبنية على قناعة مطلقة بأن العقار لا يخسر، ما يدفع تجار البناء -بالتالي- لرفع السقف إلى أبعد ما يمكن، خاصة وأن معظمهم غير مضطر للبيع على اعتبار أنهم يمتلكون ملاءات مالية عالية، وما يبرهن ذلك أزمة 2008 ذات المنبت العقاري وما نجم عنها من تداعيات أدت إلى انخفاض أسعار العقارات عالمياً باستثناء سورية التي استمر فيها –بالمجمل- صعود الخط البيان العقاري، ولتصبح دمشق –حسب دراسة صدرت عن مؤسسة (كوشمان ويكفيلد) المتخصّصة بمتابعة أسعار العقارات حول العالم– ثامن أغلى مدينة في العالم.

خصوصية
أحد تجار العقارات أكد لـ”البعث” أن للعقار في سورية خصوصية غير موجودة في أي قطاع عقاري حول العالم، تتلخص بأنه عبارة عن وسيلة ائتمانية واستثمارية نتيجة غياب القنوات الاستثمارية الأخرى البديلة والفاعلة، فضلاً عن أنه من المعروف أن العقار في سورية لا يخسر –وهذه قاعدة معروفة منذ القدم- ما جعل منه الملاذ الآمن للمواطن، بدليل أن أزمة عام 2008 ذات المنبت العقاري هوت بأسعار العقارات العالمية باستثناء سورية، مضيفاً: إن العقار في أي دولة في العالم يخضع لمبدأ العرض والطلب بينما في سورية الطلب قائم دائماً على العقار، وخلال الفترة الأخيرة -خاصة تلك التي سبقت الأزمة- تحول عدد كبير من المواطنين إلى تجار عقارات.

أسباب؟
في المقابل بيّن المحامي شادي الشريف المختص بالقوانين العقارية أن ارتفاع أسعار العقار في سورية يتمحور حول عدة أسباب رئيسية، منها العرض والطلب وتدخل فئة مضاربة من نوع خاص كانت تسمّى بعهد الدولة العباسية (فئة الشطار) التي أحدثت خللاً بمبدأ العرض والطلب وساهمت -نتيجة هذا الخلل– بارتفاع الأسعار، إضافة إلى عدم توافر الأراضي الجاهزة للبناء لتغطي الحاجة المطلوبة للسكن، كما أن التخطيط الإقليمي الشامل جاء في مرحلة متأخرة جداً، حيث بدأنا بدراسة أمور التخطيط الذي يحدد حالات استعمالات الأراضي (زراعة– صناعة– بناء…الخ)
وأشار الشريف لـ”البعث” إلى أنه وبعد إحداث هيئة التخطيط الإقليمي بدأ العمل بشكل جديّ على هذا الموضوع، وتم ّتحديد المواقع التي تصلح لأن تكون مجمعات عمرانية أو نواة لمدن مستقبلية، ناهيك عن ارتفاع أسعار مواد البناء من حديد وإسمنت وغير ذلك وانعكاسها على ارتفاع أسعار العقارات.

الحصة الأكبر
مصادر في وزارة الإسكان والتنمية العمرانية أوضحت لـ”البعث” أن القطاع الخاص يستحوذ على الحصة الأكبر من الكعكة العقارية في السوق بنسبة 76%، في حين أن النسبة المتبقية هي مناصفة بين المؤسسة العامة للإسكان والتعاون السكني 12% لكل منهما، وعلى اعتبار أن القطاع الخاص يسعى للربح -وهذا من حقه– بعد أن يقوم بدراسة السوق والعائد الذي يمكن أن تحققه نجد أنه مصدر ارتفاع الأسعار كونه المسيطر الأكبر على السوق، في حين أن المؤسسة تحصل على جزء بسيط من الأرباح لا تتعدى النفقات الإدارية، والتعاون السكني لا يضع أية أرباح على التكلفة الحقيقية للمسكن.

بلا أثر
لم يكن للقوانين التي صدرت خلال السنوات الأخيرة بهدف ضبط السوق العقارية واستقرار أسعارها أي أثر ملحوظ –برأي بعض المراقبين– مثل قانون تثبيت الملكية العقارية رقم 33 والمرسوم التشريعي 82 المتعلق ببناء العرصات، وقانون التطوير العقاري رقم 15. .الخ. وفي هذا السياق يرى الشريف أن سبب عدم التأثير هو أن هذه القوانين غير متوافقة مع الحركة العقارية الحقيقية في سورية بدليل أننا لم نلمس أي أثر لها على أرض الواقع.

تجيير الأموال
توقع كثير من الاقتصاديين أن تُغيّر الأزمة التي تمر بها سورية من المشهد العقاري لاسيما بعد أن دخل إلى السوق ما يزيد عن 100 ألف وحدة سكنية مخالفة حسب بعض التقديرات، إلا أن الواقع يبيّن أن الأسعار واصلت ارتفاعها، وفي أفضل الأحوال وقفت عند سقف معين دون أن تنخفض بشكل ملحوظ، وفي هذا الشأن يؤكد بعض أصحاب المكاتب العقارية الذين التقيناهم أن كثيراً من المواطنين جيّروا أموالهم باتجاه السوق العقارية تخوفاً من تداعيات الأزمة.

ربح منطقي..!
وفيما يتعلق بمدى تأثير الوحدات السكنية المخالفة الجديدة على أسعار العقارات، أكد صاحب مكتب عقاري أن معظم المخالفات كانت لسد حاجات المواطنين المضطرين، إما للسكن أو توسيع منازلهم وليس بقصد طرحها للبيع، لذلك لم تساهم بكسر أسعار الشقق السكنية النظامية، عازياً ارتفاع أسعار الوحدات السكنية والتجارية إلى ارتفاع أسعار الأراضي، حيث وصل سعر القصبة (24م2) في بعض مناطق ريف دمشق إلى نحو 2 مليون ليرة سورية وأحياناً أكثر من ذلك، معتبراً أن هامش ربح تاجر البناء بشكل عام بالمتر المربع الواحد ليس كبيراً بل هو منطقي وطبيعي في ظل هذا الارتفاعات.
ولم ينكر صاحب المكتب أنه من أسباب ارتفاع الأسعار أيضاً هي المضاربة في السوق سواء من قبل بعض التجار المحتكرين لمحاضر سكنية يحددون لها السعر الذي يرغبون دون أن يتنازلوا عنه، أو من قبل ما يسمى بـ”الشقيعة” الذين يسعون لتحقيق ربح وفير من المتاجرة بالوحدات السكنية، ولاسيما أنهم غير مضطرين للبيع ما يدفعهم إلى طلب السعر الذي يرغبون.

دمشق– حسن النابلسي