جرأة مطلوبة
التضخّم وارتفاع معدّل البطالة وكذلك الركود، تطوّرات ناتجة عن أزمة تملي على الحكومة تبني سياسة توسّعية بزيادة الإنفاق الحكومي لإنعاش الاقتصاد، وليس التقشف الاقتصادي الذي كنّا نتوقع أنه سيذهب بلا رجعة.
ومع توجّه الحكومة التقشفي وتراجع الدعم الخارجي وانخفاض التوقعات بتدفق الاستثمارات الأجنبية، خلال النصف الأول من العام الجاري على أبعد تقدير، سيكون من الصعب زيادة معدلات النمو، وهو ما سينعكس بدوره على عدم خفض معدّلات البطالة بالشكل المطلوب، رغم أن تحسّن الإنتاج وزيادة حجم الصادرات وانخفاض أسعار النفط عالمياً، مستجدات تدفع إلى الاستفادة منها ما أمكن عبر زيادة الإنفاق، واستثمارها إيجاباً على خفض بند الدعم وبالتالي عجز الموازنة.
مؤشرات اقتصادية إيجابية بتحقيق إيرادات لا بأس بها تشير إلى سياسة توسّعية كأفضل السياسات، لا بل الأنجع للخروج من قوقعة الركود التضخمي، وتفتح الباب للاقتراض الخارجي في وقت أصبحت فيه البنوك المحلية “العامة” مثقلة بتمويل عجز الموازنة، وعلى اعتبار أن الاستدانة تخدم القطاع الإنتاجي لا الخدمي، فما المانع؟! أي أن السداد للجهات المموّلة مضمون ما دام المال يجلب عوائد بالقطع الأجنبي وسيولة تحرّك العجلة الاقتصادية وهكذا دواليك..
دون أدنى شك، ثمّة عامل في غاية الأهمية نرى أنه يصبّ في خفض عجز الموازنة نهاية العام المالي وهو انخفاض أسعار البترول، بالإضافة إلى أنه سيزيل الدعم عن بعض المنتجات البترولية، إلا أنه وفي الوقت نفسه، يتوقّع أن ترفع الحكومة أسعار الطاقة مرة أخرى، وخاصة على المنتجات المدعومة، لكن على الأرجح ستكون مستويات الزيادة أقل من المرات السابقة، نتيجة تراجع سعر برميل النفط عالمياً، وبالتالي يفترض أن تكون قرارات الإنفاق والتوسّع في التمويل والاستثمار في المشاريع الصغيرة والمتوسطة أكثر جرأة وبعيدة عن تخوّفات لا مبرّر اقتصادياً لها.
إن استمرت سياسة التقشف المتّبعة سيتعاظم عجز الموازنة وسيكون على الحكومة تمويل الجزء الأكبر منه محلياً من القطاع المصرفي الذي تشكل السندات الحكومية ما يزيد على 50٪ من أصوله على حساب تمويل القطاع الخاص، وهذا التوجّه سيزيد الضغط على سيولة القطاع وسيُبقي على سعر الفائدة مرتفعاً لضمان جذب الودائع، وسيكون من الصعب أن يتغيّر الوضع خلال العام الحالي دون التوجّه نحو سياسة توسّعية.
سامر حلاس
Samer_hl@yahoo.com