تحت عنوان الإكرامية؟
“إن لم تستح فافعل ما شئت”، هذا القول يشكّل خلاصة معاناة الناس الذين يتعرضون “للابتزاز” في الكثير من المديريات العامة ذات الطابع الخدمي بفعل بعض الموظفين الذي تناسوا مسؤولياتهم وواجباتهم، وسبحوا في مستنقع المصلحة الشخصية وتسخير الموقع الوظيفي لامتصاص جيوب الناس وابتزازهم تحت تسمية الخدمات السريعة، وما يندرج تحتها من مفاهيم الإكرامية أو الرشوة المستوطنة في المديريات والدوائر الموجودة في كافة المناطق والمدن، بعد أن باتت الأنظمة في آخر اهتمامات الموظف الحكومي اللاعب الأساسي في لعبة القفز فوق القانون وخاصة في عمل الجهات ذات التماس المباشر مع المواطنين.
ومن المؤسف القول إن ارتفاع الأسعار وتضاعفها في الآونة الأخيرة انعكس على العمل الوظيفي الخدمي الذي بات مأجوراً بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، فكل ما يحتاج إليه المواطن زاد سعره إلى الضعف حتى إن ما نشرعنه جميعاً تحت تسمية الإكرامية دخل بورصة الأدراج المفتوحة التي تصطاد بأختامها الليرات الطائرة من كل حدب وصوب، ولكل معاملة تسعيرة حسب جداول ولوائح أسعار خاصة بالموظفين وتقييمهم للمعاملات بطوابعها المختلفة، وطبعاً من لا يدفع يكون التعامل معه كمواطن من درجات متدنية ويتمّ تجاهل معاملته ورميها في غياهب الروتين والتسلسل الممنهج على قائمة التأخير المقصود والانتظار إلى أجل غير مسمّى خاصة بحضور تلك العقلية الوظيفية التي تستهزئ بمصالح الناس، وتحاصرها بعشرات العبارات المستخدمة لاستفزاز الجيوب وإجبارها على فتح سحاباتها وإخراج ما تيسّر منها لإطفاء ظمأ الموظف الذي يسيل لعابه طمعاً بأرصدتها المتواضعة التي تبقى في حالة تأهب لدفع الأتاوة حفاظاً على ماء الوجه أولاً وتسريعاً للخطوات التي ستكون بطيئة وأمامها الكثير من العراقيل في غياب أدنى مستويات المسؤولية والأخلاق الوظيفية واللباقة في التعامل مع المواطنين.
إن تراكم الأخطاء وتحييد المحاسبة أديا إلى انقلاب المفاهيم، حيث بات الخطأ صواباً والصواب خطأ في قاموس العديد من الموظفين الذي شرعنوا الكثير من مخالفاتهم، بعد أن أقحموا المواطن في دفتر حساباتهم الشخصية وتحوّلت قضاياه ومعاملاته إلى مجرد أرقام مالية تضاف إلى أرصدتهم التي ترتفع قيمتها في مضمار الفساد والشواهد على ذلك كثيرة.
فهل ستجد الجهات المعنية مخرجاً من هذا النفق المظلم الذي يبتلع أحلام المواطن وينغّص حياته عند إجراء أي معاملة، أم إن ذلك بات واقعاً يستحيل تغييره ومعالجته بحيث يصبح الطلب من المواطن تغيير نهجه وطريقة تعامله مع الموظف أسهل من إجراء أي إصلاح حقيقي على أرض الواقع؟!.
بشير فرزان