تسيبراس يهز عرش القارة العجوز .. أوروبا ما قبل انتخابات اليونان ليست كما بعدها
يبدو أن الربيع الأوروبي قد بدأ بالفعل مع الفوز الانتخابي الساحق لحركة سيريزا اليسارية برئاسة الشاب الأربعيني ألكسيس تسيبراس، أصغر رئيس وزراء يوناني منذ عام 1865، في الانتخابات التي جرت قبل أيام وأدائه اليمين الدستورية كرئيس للوزراء، ليفتح بذلك صفحة أوروبية جديدة عنوانها الرئيس رفض سياسات التقشف وسياسات الاتحاد الأوروبي، في سياق يعزز أمل مكونات وأحزاب ذات توجهات يسارية في الوصول إلى الحكم في أوروبا.
وقد تضاربت الآراء الأوروبية حول انتصار تسيبراس بين من يرى فيه مخلصاً للدول الصغيرة والتي تعاني من أزمات اقتصادية جراء السياسات النيوليبرالية التي تتبعها الدول الكبرى وتفرضها على دول الاتحاد، وبين من يرى فيه كارثة ستحل على الجميع وتهدد بانفراط عقد الاتحاد الأوروبي وإشارة إلى التغيير في عموم القارة العجوز يؤدي بالنتيجة إلى إعادة تحديد أولويات السياسات المالية للاتحاد الأوروبي، كما يعد تصاعداً للدعوات إلى إعادة النظر في السياسة الأوروبية التي دعت إليها ألمانيا، والمبنية على الإصلاحات البنيوية والتقشف المالي.
وبالتالي فإن العزف اليوناني المنفرد ستسمع أصداؤه في دول أوروبية أخرى، حيث التماهي مع الخطاب اليساري يجد موطئ قدم وحيث مناهضة سياسة التقشف الأوروبية، تصبح مع الوقت أكثر شراسة، وخصوصاً أن هناك ما ينذر بحقبة جديدة من المواجهة الاقتصادية اليونانية مع الدول الأوروبية الكبرى، قد تؤدي إلى تغييرات يشتهيها كثيرون في السياسة التي تتبعها القارة العجوز. ورغم التمايز بين مؤيّد لأي تغيير أو معارض له، إلا أن غالبية من ألقى الضوء عليه خلص إلى أن ما قبل انتخابات اليونان لن يكون كما بعده، ويعني انتصار الديمقراطية على أوروبا التقشفية.
الناخبون اليونانيون بعثوا رسالة أمل كبيرة إلى أوروبا قاطبة ويمكن القول: إن فوز سيريزا يعجّل في مناقشة القواعد التي عفا عليها الزمن وغير المستدامة في منطقة اليورو، ليضيف بعدها إن التغييرات الضرورية الإيديولوجية والمؤسساتية ستكون عميقة لدرجة أنه لا يمكن إنتاجها إلا على حساب أزمة سياسية كبيرة في الاتحاد الأوروبي، والتغيير السياسي في اليونان قد يدشن هذا التغيير.
اليونان اليوم على موعد مع صنع التاريخ ومن الواضح أن الغرب الذي عجز عن فهم روسيا، سوف يعجز عن فهم اليونان التي أحدثت ضجة وقلقاً في أوروبا والنظام المالي الدولي من خلال التمرّد على قيود المديونية وهذا يضعها أمام خيارين، إما اليأس والتفكك أو المواجهة وفي حالة المواجهة فإن التجربة اليونانية سيكون لها آثار عالمية وهذا سيقودها موضوعياً إلى التحالف مع روسيا، حيث يمكن للدولتين تنظيم علاقات اقتصادية تخفف من أعباء الديون والعقوبات، وتفتح الباب واسعاً أمام إمكانية المضي خطوة أخرى في طريق العالم الجديد متعدد الأقطاب، فلدى روسيا ما تقدمه لليونان في الحقل الاقتصادي ومن ذلك النفط مقابل البضائع أو حتى السياحة ـ ولدى اليونان ما تقدمه استثمارياً للروس والصينيين في مرحلة إعادة البناء اللاحقة، إضافة إلى ما يمكن لليونان اليسارية المستبعدة من أوروبا، أن تقدمه، جيوسياسياً، للقوى الصاعدة التي تقاوم مساعي الغرب لضرب صعودها كقوة عالمية.
تسيبراس الذي فاز حزبه بنسبة 40 بالمئة من أصوات الناخبين أبلغ الرئيس اليوناني بأنه توصل إلى اتفاق على تشكيل الحكومة الجديدة بالائتلاف مع حزب “اليونانيون المستقلون”، وبذلك يتم الحصول على ما يكفي من الأصوات في البرلمان، حيث حصل حزب “اليونانيون المستقلون” على 13 مقعداً، ويتبنى بدوره خطاباً مناوئاً لسياسة التقشف والإملاءات الأوروبية ما يجعله حليفاً قوياً يمهد الطريق لتنفيذ وعود تسيبراس الانتخابية، فيما يضع الاتحاد الأوروبي في مأزق هو أن خروج اليونان من أوروبا سيتبعه خروج بلدان كثيرة، ما يهدد بقاء الاتحاد وقد يحمل رياح التغيير إلى إسبانيا وإيطاليا وفرنسا، من أجل المطالب اليونانية نفسها، فالحركات السياسية المعارضة في هذه البلدان يمكنها أن تطير على أجنحة فوز تحالف تسيبراس، فهل سيكون التغيير في اليونان نقطة تحول في تاريخ أوروبا.. ربما الأيام والشهور القادمة تعطينا صورة أوضح عما ستؤول إليه الأمور.