محليات

“العيش غير”… لماذا؟!

يستحقّ المواطن لقب الجدارة في صياغة حلول وحيل وحياكة بدائل وطرائق تعطيه فيزا الاستمرار والحياة تحت أصعب الظروف، وما اندماجه وتماشيه مع ظروفه الأمنية والمعيشية القاسية سوى دليل قاطع على قدرة المواجهة والتحدّي وليس مجرد الصمود والتحمّل، إنه امتحان السنوات الأربع من الاختبار الذي أصبح روتينياً عند من يمضي إلى عمله غير مكترث بغزارة “الإمطار بالقذائف” ومفاجآت المفخخات العمياء ومخاطر الموت والخطف، في الوقت الذي انتصر فيه “ابن البلد” على إمكاناته وقدراته المادية وراح يفرض ذاته على كل ما يحيط به من حصار قادم من مدفأة المنزل وغاز المطبخ وكهرباء المصابيح والأجهزة وفواتير السوق واستحقاقات ضرائب ورسوم البقاء على قيد الحياة.
إذاً لا نجافي الحقيقة إذا حكمنا على الواقع بالمقبول أمام هول الأوضاع وكارثية الحرب ومنعكساتها، ولسنا مثاليين إذا أطلقنا صفة “البطولة” على المواطن الذي أنتج بيئة تصالحية تجعل من صفحات المعاناة فسحة للتندّر والنكات التي تقاوم مخرز الأزمة وأزلامها، لتأتي المبادرات الفردية والجماعية والمؤسساتية وتقدّم جرعات معنوية ومادية تحرّض على خلق حواضن أنموذجية تستوعب احتياجات المجتمع وتشجّع على الحراك الفعّال ليحل محل القنوط والصمت والانزواء تحت عناوين يائسة من الرمادية السلبية القاتلة.
هو مفتاح إرادة الحياة الذي يتقن السوريون كيف يديرونه بالاتجاه الصحيح لمواجهة مصائرهم التي إن ساءت تنكسر عند إرادة النيّات الإيجابية والأفعال البنّاءة، وهنا كان المربط الذي استنبطه ناشطو ومبادرو حملة “عيشها غير” التي خرجت من رحم الغبار في مجتمع قادر على الإتيان بالخير ولو بالنحت في جلمود المعاناة التي لا يؤثر الانتظار والتوقف والتأمل والخيال والأحلام في الخلاص منها؟.
ندرك أن الفرضيات لا تصنع دفئاً ولا تطعم خبزاً، وبالتالي نجزم أن العناوين العريضة والرسائل التي طرحت في سياق الحملة لم تستورد ولم تفرض كحل جاهز قادم من الغيب، بل ثمّة بساطة قائمة على الحياة اليومية والأدوات اللغوية والسلوكية المتناقلة بين الناس، وهذا ما حرّض الشارع ومعه الأجهزة الحكومية والأهلية والمنظماتية لتزج بنفسها في صناعة تحوّل كهذا بدا المجتمع متلقّفاً لحيثياته وتفاصيله كلها في سبيل الوصول إلى الحالة الأخرى التي يقتفي المواطن أثرها للتعايش مع جزئيات الأزمة وفرش الطريق نحو التغيير المنشود، حتى لو كان على ركام وأحجار الدمار المطلوب التحرّك لإعادة بنائه من جديد؟.
“عيشها غير” مشروع ميداني قيد التنفيذ وإعلاناته شاهد عليه ونتائجه بدأت على الأقل معنوياً ونفسياً عند الناس التوّاقين إلى الخلاص، والمطلوب أن ننتج الكثير من الأفعال والمشاريع الرديفة ولو كانت من مقاييس شخصية جداً، وما عبارات وشعارات وكلمات من قبيل: التحرّك بدل النفخ بقصد انجلاء الكرب، وتحريك العصير حتى يصبح حلواً، وإصلاح المقلوب لرؤيته صحيحاً، سوى بوابة للعبور إلى الأفضل لتأتي مساندات المؤسسات الإنتاجية والخدمية والإعلامية العينية واللوجستية على شكل حسومات ونسب مجانية على المبيعات والخدمات خلال فترات العروض التسويقية بمنزلة قوّة تحريضية وتشجيعية تعطي ثماراً، فالبركة لا تكون إلا بالحركة؟.
علي بلال قاسم