اللقاء التشاوري بين وفد الحكومة وممثلي المعارضة يناقش آفاق الحوار السوري-السوري الجعفري: مكافحة الإرهاب والفكر التكفيري أولوية في خارطة طريق إنهاء الأزمة
لافروف: موقف روسيا مبدئي وثابت.. وتدعم إيجاد حل للأزمة من قبل السوريين أنفسهم
اختتمت، أمس، اجتماعات اليوم الأول للقاء التشاوري بين وفد حكومة الجمهورية العربية السورية، وشخصيات من المعارضة المتنوّعة، على أن تستأنف اليوم الساعة العاشرة صباحاً، وتهدف الاجتماعات لمناقشة آفاق إقامة حوار سوري-سوري شامل ومفتوح في دمشق، دون أن يكون لدى أي طرف أي أوهام بشأن إمكانية التوصل إلى حل لكل المشاكل خلال بضعة أيام، تمثل فترة إجراء المحادثات في موسكو، وحاول المجتمعون من خلال مناقشاتهم في موسكو “تسجيل المواقف التي يتشاركونها، وهي وحدة سورية وسيادتها واستقلالها وطابعها العلماني، وبعد ذلك انطلقوا إلى البحث في نقاط القاعدة العامة والمشتركة، حسب وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف.
وانتقد وفد الجمهورية العربية السورية عدم ذكر شخصيات المعارضة في مداخلاتها لإسرائيل ودورها الأساسي في المشهد السياسي، كما انتقد عدم ذكرها أيضاً للدور التركي والقطري والسعودي والأميركي، ورداً على إحدى شخصيات المعارضة حول دعم “المعارضة المعتدلة”، قال الوفد: نحن مع المعتدلين طبعاً، لكن ليس ما يسمى “المعارضة المعتدلة المسلحة”، التي تتبناها أمريكا، فكل من يحمل سلاحاً خارج إطار الدولة فهو إرهابي، وأضاف: لمن يريد أن يشارك في الحوار السوري-السوري دون تدخلات أجنبية فأهلاً به في دمشق.
وكانت الجلسة الأولى من اللقاء بدأت، أمس، ووقف المجتمعون في بدايتها دقيقة صمت على أرواح شهداء سورية من عسكريين ومدنيين، بطلب من وفد الجمهورية العربية السورية، وبعدها ألقى الدكتور بشار الجعفري رئيس الوفد كلمته التي أكد فيها أن هذا اللقاء التشاوري ينبغي ألا يكون حدثاً دعائياً، بل يجب أن يكون منبراً جاداً يعكس هدف هذا اللقاء، الذي يأتي في ظل الكثير من المعاناة والخسائر والتحديات التي يواجهها وطننا العزيز، وقال: إن الحكومة السورية بذلت منذ بدء الأزمة كل ما يلزم لحماية المواطنين والوطن، وانفتحت على الحوار مع الجميع، ونهضت بمسؤولياتها الدستورية، فبادرت بإصدار وتعديل العديد من التشريعات والقوانين، وعلاوة على ذلك استجابت لكل المبادرات العربية والدولية، وتعاونت معها بشكل بنّاء وشفاف، إلّا أن هذه المبادرات لم تنجح حتى الآن في إطفاء نار الأزمة بفعل تدخل بعض الدول في الإقليم وخارجه الراغبة بمصادرة القرار السوري المستقل، وعملت وما زالت تعمل على أجندة مختلفة لتقويض مكونات الدولة السورية ومؤسساتها المختلفة، وأشار إلى أن التدخل الإقليمي والدولي غير المسبوق في الحرب على سورية قد أفرز تصعيداً خطيراً في استخدام الإرهاب وسيلة وسلاحاً سياسياً، وأضاف: مما يدعو للأسف أن الشعب السوري قد دفع ثمناً باهظاً، ومازال، من أرواح أبنائه وحضارته وثروته الثقافية وبنيته التحتية ومكتسباته التنموية قبل أن تظهر حقيقة وجود حرب إرهابية على سورية يشنها مرتزقة قدموا من ثلاث وثمانين دولة، وبالتالي فإن محاربة التنظيمات الإرهابية ومكافحة الإرهاب والفكر الإرهابي التكفيري هو هدف وواجب كل سوري، كأولوية في خارطة طريق إنهاء الأزمة، فالإرهاب إرهاب لا فرق في هذا المجال بين إرهابي متطرّف وإرهابي معتدل، فمن يحمل السلاح خارج إطار الدولة هو بلغة القانون إرهابي.
وبيّن الجعفري أن هذا الإرهاب الذي قام به ما يسمى “جيش الإسلام” ينسجم مع ما تقوم به مجموعات إرهابية مسلحة تنتمي إلى تنظيم القاعدة الإرهابي، تحت مسميات مختلفة كـ “داعش وجبهة النصرة والجبهة الإسلامية وأحرار الشام” تحظى بدعم مالي ولوجستي واستخباراتي وعسكري وبشري بشكل مباشر وغير مباشر، سري وعلني، من تركيا والسعودية وقطر، وبعض الدول والكيانات الأخرى في الإقليم وخارجه بهدف إفشال جهود الحكومة السورية للخروج من الأزمة، وشدد على أن الحكومة السورية حريصة كل الحرص على سلامة مواطنيها كافة، وتولي اهتماماً كبيراً بآلية المصالحات الوطنية، والتي ينتج عنها تسوية أوضاع آلاف المواطنين، وكذلك أصدرت العديد من قوانين العفو التي أسقطت الحق العام عن آلاف آخرين، وأضاف: إن الحكومة السورية دعت على صعيد آخر أبناءها المهجرين الذين أجبروا على مغادرة سورية بسبب تفشي الإرهاب والمتواجدين في دول الجوار للعودة إلى حضن الوطن وأبدت استعدادها لتأمين مكان إقامتهم وتقديم العون لهم، وعملت على تلبية الاحتياجات الإنسانية في أرجاء سورية دون أي تمييز، كما رحبت بكل الجهود الصادقة الرامية لمساعدتها في تخفيف هذا العبء الإنساني عن شعبنا، ودعا كل المعارضات الوطنية لدعم الجهد الهائل، الذي تقوم به الحكومة السورية لتقديم المساعدات الإنسانية إلى مستحقيها، وعدم تسييس هذا الموضوع الإنساني، كما تفعل الدول والأطراف والمنظمات المعادية للسوريين جميعاً، وأكد أنه بات معروفاً أن المساعدات التي ترسلها تركيا والسعودية إلى الإرهابيين هي عبارة عن أسلحة ومعدات لقتل السوريين.
وقال الجعفري: إن الحكومة السورية تؤكد في هذا الصدد على أنه لا يمكن تحسين الوضع الإنساني من دون إعطاء الأولوية لمعالجة الأسباب الرئيسية لنشوء الأزمة الإنسانية، وهي الإرهاب المدعوم خارجياً، ونقص التمويل والعقوبات القسرية أحادية الجانب التي فرضتها بعض الدول على الشعب السوري، واستهداف المجموعات الإرهابية لقوافل المساعدات الإنسانية والسطو عليها.
وأكد الجعفري أن الحكومة السورية تنظر إلى المعارضة الوطنية كشريك في عملية الحوار السوري-السوري، وبالتالي لابد من تضافر جهودنا جميعاً، حكومة ومعارضة، بما يحقق عودة الأمن والأمان والاستقرار لكل ربوع بلدنا الحبيب، وأضاف: إن مشاركة وفدنا في هذا الاجتماع استناداً إلى مضمون رسالة الدعوة الروسية لتبادل الأفكار والآراء حول ما يمكن أن يكون أساساً لأي حوار سوري-سوري يعقد في دمشق، يؤكد على الثوابت الوطنية المتمثلة باحترام السيادة الوطنية ووحدة أراضي الجمهورية العربية السورية واحترام إرادة الشعب السوري وسيادة القانون والحفاظ على مؤسسات الدولة والعمل على تطويرها واعتبار الجيش والقوات المسلحة رمزاً للوحدة الوطنية وقرارها الوطني المستقل والنضال من أجل تحرير الجولان كاملاً.
إلى ذلك، أكد لافروف أن روسيا مهتمة بحل الأزمة في سورية، وستواصل تقديم كل أشكال العون لمساعدة السوريين في تحقيق وحدتهم وصمود الدولة السورية أمام الإرهاب، وبناء المستقبل الجيد لسورية، مشدداً على انفتاح بلاده أمام جميع الأطراف التي تسعى إلى المساعدة لإطلاق عملية سياسية وذلك على أساس ميثاق الأمم المتحدة، وجدد، في كلمته أمام المجتمعين، التأكيد على أن موقف روسيا مما يجري في سورية مبدئي وثابت، وهي تدعم إيجاد حل للأزمة من قبل السوريين أنفسهم، وعلى أساس بيان جنيف الأول، مبيناً أن بلاده على يقين من أن سورية بعد تجاوز الأزمة ستستقر كدولة ذات سيادة وبوحدة ترابية وذات طابع علماني وستكون مزدهرة، وسيعيش مواطنوها بكل أطيافهم في رخاء وأمان وسيتمتعون بحقوقهم.
وقال لافروف: إن الوصول إلى تحقيق هذا الهدف يكون فقط اعتماداً على الحل السياسي، أما مهمة تحديد ملامحها وسبل التوصل إليها فهي للسوريين فقط، مشيراً إلى أن جميع السوريين يدركون جيداً خطورة فرض الحلول الخارجية، التي تعكس المطامع الجيوسياسية للدول الخارجية، وخاطب الوفدين بالقول: “إن السمعة التي تملكونها في روسيا هي أنكم المحبون الحقيقيون لوطنكم، فأنتم قد وضعتم مصالح سورية فوق اعتباراتكم الشخصية والمكاسب الذاتية، واجتمعتم للبحث عن سبل استعادة السلام إلى وطنكم.
وشدد لافروف على أن هدف الانتقال إلى الحوار من أجل حل القضايا العديدة الملحة من الأجندة الوطنية يتطلب جهوداً جبارة، بما في ذلك الاستعداد للإقدام على تنازلات لا مفر منها، وإيجاد حلول وسط، لافتاً إلى أن هذا هو الطريق الوحيد لإنقاذ سورية والتغلب على القوى التي تسعى للاعتداء على الشعب السوري، وتقويض سيادتها وانتشار الإرهاب الدولي والتطرف في أراضيها، وبيّن أن إدراك الجميع ضرورة توحيد الصفوف أمام الخطر المشترك هو مفتاح الحل، الذي سيسمح باستعادة وحدة سورية واستقلالها، لافتاً إلى أن ضرورة العمل المشترك من أجل محاربة الإرهاب تمت الإشارة إليه كأحد أهم الأهداف خلال اجتماع القاهرة. ولفت لافروف إلى أن المعنى الحقيقي لبيان جنيف أن عملية إيجاد حل للأزمة في سورية يجب أن تكون لصالح كل السوريين، مؤكداً أن كل محاولات التدخل من الخارج سواء بمعنى العمليات العسكرية أو بمعنى فرض سياسة الإملاء واستغلال عقوبات أحادية الجانب، كل ذلك يقوض ويحرف روح بيان جنيف، وعبّر عن ترحيب بلاده بكل الجهود من طرف الدول أو المنظمات الدولية التي تستهدف خلق البيئة المواتية لإطلاق الحوار الوطني الشامل، والذي يمكّن السوريين أنفسهم من التوصل إلى الحل.