خامة واحدة واتجاهات مختلفة في “معرض أعمال خشب”
للفن رؤيته الخاصة.. يتجاوز المنظور والمتاح ليصنع من قطعة خشبية خام لا حياة فيها منحوتة فنية تنبض بالحياة والسحر والجمال، وتنطق بمعاني وأفكار صانعها وتبث الإحساس في كل ما حولها، مجموعة منحوتات خشبية شغلت بفن وشغف وإتقان ضمن “معرض أعمال خشب” جمعت في صالة “آرت هاوس” لتضيء على تجارب مجموعة من الشباب السوري خريجي كلية الفنون الجميلة ومعهد الفنون التطبيقية، وتكون صوتاً واحداً لخامة واحدة ولكن باتجاهات مختلفة. وفي جولة لـ “البعث” في المعرض التقينا عدداً من الفنانين المشاركين والبداية كانت مع الفنان بهزاد سليمان الذي تحدث عن مشاركته قائلاً:
بمناسبة يوم الخشب العالمي أردنا أن ننظم هذا المعرض الذي يعتمد على خامة الخشب فقط، على ألا يحمل اسماً معيناً لكي نفتح المجال أن يقدم كل فنان تجربته الخاصة مع الخشب، وحرصنا على أن يكون المشاركون كلهم من جيل الشباب لمنحهم فرصة عرض أعمالهم، فهم الجيل الذي يُعتمد عليه لمرحلة ما بعد الأزمة. واعتبر سليمان أن الفنان يستطيع حسب خبرته أن يطوع الخشب واقعياً أو تجريدياً ويتعايش معه كخامة صلبة، فالنحت المباشر يختلف عن البناء ولا سيما أن الخشب مادة نبيلة قابل لمجموعة تكوينات فنية.
مقطوعات شرقية
ورافق المعرض عزف موسيقي لمقطوعات شرقية ملأت المكان بنغمات ساحرة وعن هذا قال سليمان: اخترنا آلات مصنوعة من الخشب وهي القانون والعود لعزف الموسيقى العربية، ليعطي طابعاً خاصاً من وحي البيئة الشامية ويشجع على معايشة المتلقي للمنحوتات المعروضة، وأضاف: يضم المعرض 21 عملاً وعدد المشاركين 8 فنانين بالإضافة إلى ضيف الشرف الفنان لطفي الرمحين المشارك بأربعة أعمال ويستمر المعرض لمدة عشرة أيام.
تجربة مهمة
فكرة معرض كامل لأعمال خشب لفنانين مختلفين وتجارب مختلفة مع خامة واحدة هي تجربة مهمة -حسبما قالت المشاركة سيماف حسين والخشب مادة جذابة تشد الفنان للعمل عليها وتطويعها وطرح الأفكار من خلالها، وعن مشاركتها قالت حسين: شاركت بأعمال تعبيرية وعملت على التبسيط وقدمت الثنائية الأبدية ثنائية المرأة والرجل سر الكون ووجودهما معاً رغم اختلافهما، وهو سبب استمرارية الوجود الإنساني والعمل الثاني يحكي عن الوطن عبر المرأة لأن الخشب يتناغم مع مفردات وقيم الوطن والمرأة كرمز للحنان. ورأت حسين أن المعارض هي باب لمشاركات أخرى تساعد الفنان على تطوير نفسه وأدواته من خلال اطلاعه على التجارب الأخرى المشاركة في المعرض، واكتساب خبرات جديدة من هذه التجارب.
حيوية العمل
أما الفنان هشام المليح فقد شارك بثلاثة أعمال تحدث عنها قائلاً: ركزت على موضوع التوازن القلق بالكتلة فهو انعكاس لشخصيتي القلقة دائماً. لذلك في أعمالي يكون العمل ضخماً ومرتكزاً على نقطة صغيرة وهناك دائماً سطوح انسيابية مرنة وصلابة وكسر في الزوايا، وهذا التضاد هو الذي يحرك العمل ويعطيه حيوية ويشرح حكايته. وأضاف المليح: استوحي عناوين أعمالي من الأساطير اليونانية والإغريقية، فأولى أعمالي أسميتها “أسباروسا” وهي من الأساطير الهندية التي تعنى بالرقص والموسيقى. والعمل الآخر عنوانه “العشاء الأخير” الذي يعتمد على العناصر الرمزية (عنقود العنب، الصليب، التجويف والمؤامرة) والعمل الأخير مستوحى من الريح.
تناقض ورمزية
وتوقفنا في المعرض مع الفنان منتجب يوسف الذي يشارك بعملين متناقضين برمزيتهما وهما الحصان والحرباء حيث أوضح أن دلالة الحصان (القوة والحرية والانطلاق) هذه القيم والدلالات البعيدة عن مواصفات الحرباء ورمزيتها التي تشير إلى (المراوغة والتلون والتسلق) وعبّر عن هذه الدلالات بطريقة تعبيرية تركز على الناحية الجمالية مع تبسيط في السطوح ليحدث تفاعلاً مع الضوء وانعكاساته، فيأتي تعبيره البصري أقوى، وهذا التناقض مستمد من واقعنا وتفاصيل حياتنا في هذه الأيام. ورأى يوسف أن الأعمال الخشبية محببة أكثر كونها مادة طبيعية طاقاتها متعددة ومتنوعة، وحضورها أقوى والتعامل معها يعطي إحساساً مريحاً. وعبرت الفنانة أروى خضور عن مشاركتها التي تركز على الجانب الجمالي للمرأة وتناغمه مع الجانب الروحي، بمبالغات في الطرح من خلال ثقل الخشبة والارتكاز وامتشاق الرقبة، فالمرأة هي رمز الخلق واستمرارية الحياة. وعبّر بورتريه “بين حياة وجماد” الذي شارك به الفنان علي المير عن حالة السكون والجمود التي نعيشها اليوم. وأشارت الفنانة جوليا وهبي التي تشارك بسبعة أعمال إلى سعيها من خلال هذه المشاركة لاكتشاف مادة الخشب وجمالياتها وإتقانها ومعرفة الأفكار التي يمكن تنفيذها على مادة الخشب، فهي تركز على الكتلة والفراغ وجمالية العمل وتكوينه، وتقدم حالات إنسانية تعبر عنها بمنحوتاتها كما يعبر الكاتب بمفرداته.
لوردا فوزي