“الرقابة والتفتيش” تصر على توصيتها وترد الاعتراض على عقوبة كف يد مدير عام؟
“التأمين السورية” سيرة وانفتحت.. بعد قضية الإدانة بتزوير الوكالات وهدر المال العام..
ردت الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش اعتراض المؤسسة العامة السورية للتأمين على قرار الهيئة السابق بحق مدير عام المؤسسة ” كف يد ” نتيجة لقضية فساد تستحق نعت الفضيحة، خلصت إليها تحقيقات الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش، على خلفية حقائق ومستندات مثبتة الإدانة الكاملة شكلاً ومضموناً، تؤكد تورّط المذكور ورهط من مجلس إدارة المؤسسة، بعملية الإفراج عن عمولة عقد تأميني إلى أحد وكلاء التأمين، قيمتها بضع ليرات، وإنما أكثر من 21.6 مليون ليرة سورية..!؟.
لم تقف هنا؟!
وليت القضية وقفت عند هذا الحدّ، لكن وعلى الرغم من طلب الهيئة كفّ يد المتورّط ومجموعته أيضاً، إلاّ أننا -بقدر ما تسعفنا به ثقافتنا القانونية- فهمنا من خلال ما خلصت إليه مذكرة الهيئة العامة للرقابة والتفتيش، الموجّهة لمعالي وزير المالية تحت رقم 6/5387/7/6، بتاريخ 3/12/2014، حيث قرّرت بموجبها (أي المذكرة) ردَّ اعتراض المتورّطين جملة وتفصيلاً، إذ كانوا قد تقدّموا به..، وكذلك من مضمون ما جاء في الصفحة الثانية من المذكرة تحت عنوان “ردّ اعتراضهم لعدم تقديمهم أية معطيات جديدة تغيّر في النتائج المعتمدة” التي توصلت إليها الهيئة، أنه ورغم “مطالعة رئاسة مجموعة المصارف والتأمين رقم 1958/ص تاريخ 9/11/2014، ومن تأييدها ما انتهت إليه المذكرة الآنفة الذكر لجهة ردّ الاعتراض”، فهمنا أن الهيئة أيّدت مطالعة رئاسة المجموعة، على مقترحها بـ”ترك نقل العاملين خارج المؤسسة العامة السورية للتأمين بتصرّف الإدارة لمعالجته وفق أحكام المادة /31/ فقرة /ج/ من قانون العاملين الأساسي وبما يحقق المصلحة العامة”، وفوق ذلك أن “بإمكان المعترضين تقديم ما لديهم من دفوع أمام القضاء المختص”!.
محاولة تصفية القضية؟!
أما المفارقة المستهجنة في التأييد، فمبرّرها أنه قد تبيَّن “أن إعفاء ونقل المذكورين خارج المؤسسة سيلحق الضرر الفادح بالمؤسسة باعتبارهم كوادر مؤهّلة فنياً وهم من أهم مفاصل العمل في المؤسسة ولا يتوفر لديها أي كادر بديل”، وفق ما جاء حرفياً بالمذكرة!.
تأييد يتناغم مع ما يستشف من عدم اتخاذ وزير المالية حتى تاريخه أي قرار تنفيذاً لما دعا إليه تقرير “الرقابة المركزية”، ومع ما يسرّب حول محاولات تمييع القضية لوضعها بالأدراج، من خلال تضامن المتورطين فيها، وذلك بدفعهم المبلغ الذي حصل عليه “الوكيل المزعوم المدعو هيثم الحريري” للشركة الإيرانية (الذي هو نفسه عضو في مجلس إدارة المؤسسة)، التي كانت تعاقدت مع المؤسسة العامة لتوليد الكهرباء، و”يا دار ما دخلك شر”!؟.
إدانة مركّبة بالدليل
للعلم، كشفت نتائج التحقيق المتضمّنة بالقرار (22/48/10/4 ن ص) الصادر عن “الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش” بتاريخ 12/10/2014 بالدليل القاطع، تورّط وكيل المؤسسة وعضو مجلس إدارتها هيثم الحريري، بتزوير كتب من الشركة الأجنبية المتعاقدة مع المؤسسة العامة لتوليد الكهرباء”، تفيد بأنه وكيل للشركة، وذلك بغية الحصول على عمولة من عقود التأمين بين الشركة ومؤسسة الكهرباء، وذلك بمساعدة عدد من مديري وأعضاء مجلس إدارة المؤسسة السورية للتأمين.
والأكثر من هذا أن الشركة أكدت في جوابها المذكور في التقرير، أنه لو كان للحريري أي دور في عقود التأمين العائدة لها لكانت “المؤسسة العامة السورية للتأمين” قد أصدرت بوالص التأمين من خلال رقم وكالته في البوليصة وخصّصته بنسبة من سعر البوليصة كعمولة له.
اتفقوا فتورّطوا!
كما كشفت مجريات التحقيق أن الحريري حصل على العمولة المستحقة من البدل الصافي عن عقدي الشركة، إذ تم صرف مبلغ يزيد على 21.6 ملايين ليرة سورية، بموجب الشيك رقم 005967 بتاريخ 11/3/2014، وذلك تنفيذاً لموافقة مجلس إدارة المؤسسة المؤلف من: د.بسام رشيد ومحمد حسن ومحمد هزاع زرز، وفاطمة حاج أحمد وميساء كديمي وهيثم الحريري وسحر ماكار، علماً أنَّ هذه الموافقة استندت إلى مقترح اللجنة المختصة بدراسة الموضوع التي شكلها مدير عام المؤسسة وقتها بسام رشيد، الذي تمّ إعفاؤه من منصبه، والمؤلفة من: غاندي نعمة مدير فرع 2 دمشق وعبد العزيز صليبي مدير مديرية تأمين الحريق والهندسي ومحمد هزاع زرز مدير مديرية إعادة التأمين ومحمد حسن معاون المدير العام ومدير الحسابات.
وكشف التقرير أيضاً أنَّ هذه اللجنة اقترحت الموافقة على صرف العمولة للحريري باستنادها إلى الوثائق الموجودة في إضبارتي العقد، والمراسلات الجارية بين إدارة مؤسسة التأمين وإدارة الفرع بشأن عمولة الوكيل، دون أن تهتم بموضوع عدم تفويض الشركة المتعاقدة للتأمين على مشروعها من الحريري، وأنَّ قيمة العمولة التي حصل عليها الحريري كانت مبالغاً فيها إثر خطأ حسابي، إذ تزيد بأكثر من 7 ملايين ليرة على الحصة المطابقة للنسب المحدّدة من بدل التأمين، وبالفعل قام الحريري بتسديد مبلغ الزيادة إلى مؤسسة التأمين بتاريخ 23/6/ 2014.
وأثبتت نتائج التحقيق الواردة في التقرير، أن لكل من جورج صايغ (رئيس دائرة التأمين الهندسي بفرع 2 دمشق سابقاً – مستقيل حالياً) وسالم الترك (معاون المدير العام ومدير مديرية إعادة التأمين سابقاً – بحكم المستقيل)، دوراً واضحاً في اعتماد الحريري وكيلاً للشركة بعقدي التأمين المذكورين رغم وجود عدة وثائق وفاكسات من الشركة تنفي وكالته.
استباحة لمؤسساتنا وأموالنا!
إذاً نحن أمام حكم بهدر للمال العام وبارتكاب جرم التزوير، واستعمال المزوّر الاحتيال والغش والتدليس وفقاً لتقرير ” الرقابة” المستند إلى النصوص القانونية في هذا الشأن، والسؤال هو: هل ستتم المحاسبة وتكون بحجم ونوع الارتكاب أم سيتم التملّص من كل هذا؟.
وهنا من الأهمية التذكير بأن المؤسسة العامة السورية للتأمين كانت قد ساهمت بتأسيس مؤسسات كبرى “العقاري السوري”، وكانت دائماً منتجاً للفوائض المالية، لكنها الآن أضحت بخلاف ما كانت، بعد أن أخذ القطاع الخاص وعبر ما يسمّى شركات التأمين الصحي حصص المؤسسة وحتى عقود القطاع الخاص، علماً أنها من حق المؤسسة، وأصبحت ساحتنا وسوقنا التأمينية مغارة لـ”علي بابا وأتباعه”، حيث وصلت فاتورة إصلاح باب سيارة مرسيدس 300 ألف ليرة، بينما التكلفة الحقيقية لذلك لا تتعدى 10 آلاف ليرة، في حين تعويض الوفاة 300 ألف ليرة، كما أصبحت المؤسسة مقصداً للزبائن ليس بسبب أنها الأفضل، بل لأن زبائنها يحصلون على ما يريدون وبسقوف لا يعلم مرجعيتها، وغير ذلك الكثير من القنوات غير المشروعة لنهب للتلاعب بالأموال.
ما ننتظره ونرجوه؟
وليس أخيراً، نقف لنتساءل: ماذا سنرجو من مؤسسة وهيئة إشراف عامة حصيلة عملهما مدير شركة خاصة هو الخصم والحكم، حيثيات يمكن من خلالها تقدير مدى الحكمة والحوكمة فيما يحث؟! وماذا ننتظر ونرجو من شركات خاصة لم تقدّم شيئاً في الجانب الاجتماعي والخيري والإغاثي، في وقت جلّ همها وديدنها تأمين استنزاف خزينتنا وجيوب مواطنينا؟!.
حان الوقت لتغيير العقلية والإدارة والأسلوب، إن كنا فعلاً على قدر ما نحن مؤتمنون عليه.
قسيم دحدل